جيفري كمب


خلال الأسابيع التي أعقبت إعلان الرئيس بوش عن استراتيجيته الجديدة إزاء العراق، انصرف بوش ومستشاروه إلى إغراق الصحف وشتى وسائل الإعلام، بالتعليقات عن مدى رشاد وحكمة هذه السياسات الجديدة، مقابل تفنيدهم لعجز المنتقدين لها، لاسيما عجز خصومهم quot;الديمقراطيينquot;، عن تقديم أي بديل عملي لها.

استراتيجية بوش الرامية لإحراز النصر في العراق، تدور حول ثلاثة محاور رئيسية هي: إرسال قوات إضافية قدرها 21.500 ألف جندي إلى هناك، سيتم نشر معظمهم في العاصمة بغداد خلال الأشهر القليلة المقبلة، ثم الوعد الذي قطعه على نفسه رئيس الوزراء العراقي، نوري المالكي، بالانقضاض على المليشيات الطائفية، بدعم وسند أميركي له في حملته هذه. ثالثاً توقعات الرئيس بوش، بأن هيمنة quot;الديمقراطيينquot; الحالية على مجلسي النواب والشيوخ في الكونجرس، لن تسفر عن خفض يذكر في حجم التمويل المخصص للعمليات الحربية الجارية في العراق.

ومن جانبها تقر واشنطن بأنه لابد من الانتظار لبضعة أشهر، حتى يلمس إحراز تقدم أمني ملموس في العاصمة بغداد وغيرها من المدن العراقية الرئيسية. ولكن ما لا يزال مجهولاً، ما إذا كانت القوات الأميركية ستشارك في مواجهة المليشيات العسكرية الموالية للزعيم الشيعي مقتدى الصدر. وبين هذا وذاك، أعلن الرئيس بوش من جانبه، عن ضرورة البدء في اتخاذ إجراءات عقابية أشد، ضد كل من سوريا وإيران، فيما يتصل بما يثار حولهما من اتهامات بدعم التمرد الذي يستهدف القوات الأميركية في العراق. أما خطابية بوش النارية حول طهران، فيما صرح به مؤخراً، فقد رافقتها عملياً ضربة استهدفت مكتباً قنصلياً تابعاً لطهران في شمالي العراق، في حين جرى إرسال مجموعة أخرى من المقاتلات الجوية الأميركية، وكذلك نشر مجموعة إضافية من صواريخ quot;باتريوتquot; إلى المنطقة المجاورة.

وقد أثارت كل هذه التطورات تساؤلات حول مدى احتمال توجيه ضربة استباقية لإيران، تستهدف منشآتها النووية بشكل رئيسي، سواء كانت من قبل الولايات المتحدة الأميركية، أم من حليفتها الإقليمية إسرائيل. أما الذين يعارضون توجيه ضربة كهذه، فطالبوا بضرورة حصول الرئيس بوش على تفويض من قبل الكونجرس بإجراء كهذا، قبل الشروع فيه.

لكن وحتى هذه اللحظة، فإن الذي يبدو ظاهراً للعيان، هو انخراط بوش في quot;حرب أعصابquot; حامية مع طهران، وأن على الوضع أن يسوء أكثر مما هو عليه الآن، حتى يبدأ التفكير في توجيه ضربة عسكرية لطهران. وربما يبلغ الوضع مرحلة كهذه، في حال تورط القوات الأميركية عميقاً في العمليات العسكرية الجارية ضد المليشيات الطائفية في بغداد، بما فيها مدينة الصدر، مما يزيد من خطر المواجهة المسلحة مع مليشيات مقتدى الصدر وحلفائها الإيرانيين. وفيما لو سقط المزيد من القتلى بين صفوف القوات الأميركية، وتبين وجود quot;يد ما quot; لطهران في ذلك، فإن المتوقع أن تتصاعد الضغوط والمطالبة بتوجيه ضربة عسكرية لطهران. وليس مستبعداً أن يحظى اتجاه كهذا، بتأييد بعض المرشحين quot;الديمقراطيينquot; للمنصب الرئاسي في انتخابات عام 2008 المقبل، مخافة أن يتهم هؤلاء بنعومة موقفهم إزاء طهران.

وبين هذا وذاك، تتصاعد حملة المعارضة الداخلية للرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد، حتى بين صفوف مؤيديه quot;المحافظينquot;. والذي يتسلط عليه الانتقاد بصفة خاصة، ما يراه الكثيرون من سلوك عدواني ضار ومدمر لمصالح البلاد، يتمسك به الرئيس في خطابه لأميركا، ووصفه المتكرر لها بأنها quot;الشيطان الأكبرquot; والذي يأخذه الساسة الإيرانيون quot;البراجماتيونquot; بصفة خاصة على نجاد، هو أن مصلحة إيران تتمثل في استقرار استثماراتها وتقدم اقتصادها ونموه، وليس في مواجهتها المستمرة مع واشنطن. وربما يلقى هذا الخطاب العدواني الناري الصادر من إيران، هوى له في نفوس مؤيدي نجاد، وفي الشارع الإسلامي الغاضب بصفة عامة، غير أنه يظل أبعد ما يكون عن خدمة المصالح الإيرانية بعيدة المدى. وهذا هو ما يحمل على الاعتقاد، بأنه ليس مستبعداً أن تقص أجنحة نجاد، بواسطة quot;المحافظينquot; أنفسهم، الذين صعدوا به إلى سدة الحكم في انتخابات عام 2005.