جاسم بودي


نعيش ذكرى عاشوراء وتعيش بنا... نتذكرها كلما اشتد الصراع بين الحق والباطل ونستحضرها كلما كبرت الحاجة الى وحدة الصف والكلمة.

نعيشها ذكرى سيد الشهداء وسيد شباب اهل الجنة... تدمع اعيننا للظلم الذي لحق به وبأهل بيته، ونفخر بهذا الرمز الذي وضعوا في يده ما هو اكثر من الحكم شرط التخلي عما ينادي به فرفض لان الدنيا عنده وقفة حق فحسب وومضة ايمان.
واذا كانت الوحدة اهم درس في عاشوراء فما احوجنا اليها في الكويت اليوم، حيث نتلمس محاولات حثيثة لزرع الفتنة الطائفية والمذهبية الغريبة عن مجتمعنا منذ قيام الدولة قبل نحو 300 عام. وهي الفتنة القادمة باستحضار انقسامات الخارج وتأثيرات الخارج مهما حاول مروجوها اسباغ اللبوس الداخلي عليها.
ولنتحدث بصراحة، فنحن في منطقة تغلي بكل انواع الاخطاء والخطايا. منطقة حولها التدخل الاجنبي الى مختبر لتفريخ المنتج السيئ قبل الجيد، وارادتها انظمتها المحلية مركزا لتصدير بضاعتها في كل اتجاه في اطار صراعها او تحالفها المستمر مع الاجنبي، والكويت في قلب هذه الصورة تمتعت بفضل صيغتها السياسية والدستورية والتعددية الخاصة بنوع من الحصانة تجاه الرياح الخارجية، وصارت عناصر الوحدة والالتفاف حول الشرعية وطغيان الشعور الوطني عناصر للامن والاستقرار والتنمية اكثر من كونها مبادئ اساسية وشعارات، فالكويتيون جبلوا على العيش اسرة واحدة مع اسرة الحكم وكانوا حراسا حقيقيين لتجربتهم الفريدة في المنطقة.
اراد الخارج تصدير شكل الحكم الديكتاتوري الى الكويت فلم ينجح، حاول تصدير صيغة حكم تتمتع بالمرونة شكليا وبالقمع مضمونا فلم ينجح، اوصى باستئصال الهامش الديموقراطي فلم ينجح، حاول اللعب على ورقة الانقسام بين الشعب والقيادة مستفيدا من هامش الحريات الكبير فلم ينجح، راهن على انقسامات داخل الشعب الكويتي لاحداث فرز يضعف المناعة الوطنية فلم ينجح، ضرب وزعزع اركان الدولة بابشع الوسائل واقذرها واراد شراء واجهات تدير الاجهزة والمؤسسات فلم ينجح... وها نحن اليوم امام فتنة جديدة يحاول اكثر من طرف استحضارها بحجة ان المنطقة تغلي بالانقسامات الطائفية وان الكويت ليست جزيرة معزولة، وها نحن نقول ان الاستحضار لن ينجح لان من ارتضى الكويت سياجا لحياته ومستقبله سيكون هو السياج الحامي لدولته ووحدة مجتمعه.
نعم، هناك متطرفون في كل طائفة وهناك متطرفون في كل تيار سياسي، بل اكثر من ذلك هناك وزراء وشيوخ يعزفون اليوم على الوتر المذهبي في مواجهة مساءلة او استجواب معتقدين ان نفخ النار في هذه المسألة لن يطال طرف اثوابهم... لكن هؤلاء هم الاستثناء وليسوا القاعدة، هم القلة وليسوا الكثرة، هم الشواذ وليسوا الغالبية، والمسؤولية الاساسية في مواجهة هذا الانحراف تعود كما قلنا للمعتدلين المتنورين في كل طائفة وتيار سياسي واجهزة الحكم، فهؤلاء هم القادرون على اقفال الابواب والنوافذ امام رياح الخارج.
اما على المستوى الوطني العام، فمواجهة التطرف تكون بالمزيد من الحريات لا بأي شكل من اشكال القمع لاننا لا نريد تخصيب القهر في النفوس لتغذية حالات ارهابية. مواجهة التطرف تكون بنشر الديموقراطية لا بالحد منها وبتطوير الحياة السياسية في اتجاهات تؤسس حقيقة لمجتمع مدني وتكون انعكاسا له.
بمعنى اوضح، وبكل صراحة ومحبة ودون تقصد الاساءة لاحد، لا بد ان يأتي اليوم الذي ينتفي فيه منطق ان الشيعة حصتهم كذا والسنة كذا والقبيلة الفلانية كذا، لا بد ان يأتي اليوم الذي نقول ان التيار السياسي (السياسي وليس الديني او المذهبي) صاحب البرنامج الاقتصادي والتعليمي والاجتماعي والاصلاحي حصته مجموعة مقاعد في البرلمان والحكومة والتيار الآخر حصته اكثر او اقل والتيار الثالث معارض، فالمواطن قيمة انسانية ووطنية ومستقبلية بغض النظر عن انتماءاته.
الطائفية والمذهبية تخلف خالص فما بالنا بطائفية مشتعلة ومذهبية مدمرة؟ الكويتيون يريدون الحياة وثقافة الحياة وجمال الحياة ونعم الحياة. يريدون تصدير التقدم لا استيراد التخلف مهما تحدث المنظرون عن التأثير والتأثر بين دول الجوار.
عود على بدء، في ذكرى استشهاد سيد شباب اهل الجنة، في ذكرى انتصار الدم على السيف، في ذكرى النهر الكبير الهادر من الدروس والعبر، نقول ان الكثرة مع الحق ستهزم القلة مع الباطل، فلا مكان في الكويت لانقساميين ولا نوافذ مشرعة لتقسيميين... نحن احوج ما نكون اليوم لاصوات العقلاء وحكمة العقلاء وأوامر العقلاء، فهم الذين يجب ان يتقدموا المرحلة ليدمجوا في مللهم وتياراتهم الاقلية مع الاكثرية او ليفرزوا المعتدلين عن المتطرفين كي تتضح الامور ويتحمل كل طرف مسؤوليته.