ناصر الظاهري
بن أبي مرّة النهشلي لما واجهه المستشار الألماني السابق شرودر من صفعة على الوجه أمام الملأ، فكيف ستكون ردة فعله كشخص وزعيم سياسي؟ وكيف سيكون رجع الصدى من المجتمع الصغير المحيط به، ومن المجتمع الكبير الذي يعيش فيه؟ كيف ستكون للثقافة السائدة تأثيرها وتحريضها تجاه الفعل والفاعل؟ أول تصرف سيفعله أبوجذامة سيكون برد الصاع صاعين، والصفعة صفعتين، سيخترط سيفه ويشجّ هامته، أو يستّل خنجره ويغرزه في خاصرته، أو على الأقل سيدعوه للمبارزة في حينها، وإما قاتل أو مقتول، لن يبيت على الضيم ولن يقبل الظلم أو يسكت على المظلمة، وإن رضي أن يبيّتها له، فلن ينقضي يوم أو يومان وستجد غريمه مطعوناً أو مسموماً، وإن رضي أن يحتكم إلى العقل والمنطق والقانون، فسيظهر شخص من الحاشية أو القبيلة ويأخذ بثأر المضروب من الضارب، وسيخرج أكثر من شخص يحرّض ويؤلب المضروب على الأخذ بالثأر، وإلا سيأخذون هم بحقه وثأره، وحينها لن يكتفوا بالشخص الفاعل، بل سيؤخذ بجريرته أفراد من عائلته وقبيلته وستتسع دائرة الانتقام حتى يتلاقى القوم في معارك قد تطول، كما طالت حرب داحس والغبراء أو حرب البسوس، وسيسقط من الجانبين الكثير من الأبرياء، وسيتورط في الحرب الدائرة الكثير ممن لا ناقة لهم فيها ولا جمل، لن يقبل أي طرف بتنكيس العقال أو بدوس العمامة، فهذا شرف يراق على جوانبه الدمmiddot; وإن كان أبوجذامة في عصرنا الجديد وكان مهماً أو يشتغل في وظيفة عامة أو يشغل منصباً عالياً، فسيختفي في يومها الفاعل وتغيبه السجون حتى يختفي من الوجود، وستجرجر عائلته معه، ويحرمون من كل الحقوق والوظائف، وسيبقون ملعونين في الأرض وأينما ثقفوا، وسينتقل الأمر إلى الأولاد ثم الأحفاد، الأولاد يعيرون في المدارس وفي طرقات الحي، والأحفاد ستلحقهم لعنة أبيهم وفعلة جدهم، سيستمر التناحر والتقاتل والتنابز بالألقاب، والهجاء الشعري المرّ، حتى يظهر من كلا الجانبين حكماء وعقلاء يقرّون بإنهاء المسألة وحلّ المعضلة، وأنه يكفي من الدماء ما أراق، وآن للنفوس أن تتصافى والقلوب أن تتلاقىmiddot; ستمر سنوات طويلة حتى يصلح الحكماء والقانون والعُرف القبلي ما فعله مجنون في لحظة غضب وطيش، وما كان من ردة فعل شخص أحس حينها أن كرامته أهينت وأن شرفه ثلم، وإن العار قد ألحق بثوبه والشنار قد دنّسهmiddot; شرودر احتكم للحكمة والقانون والثقافة، ورفع الأمر إلى القضاء ليقول كلمتهmiddot;middot; دون تدخل شخصي منه، ولا لما يحتّم عليه مقامه ومنصبه، أو يستغل وظيفته، أو يرمي لحرسه وحاشيته بالانتقام الفوري وتصفية عدوه، هي الثقافة العامة كيف تقود الثقافة الخاصة، وتحد من الغضب والانفعال الفردي، ثقافة جماعية تفرض حالها وتهيمن على المواقف الفردية، قد لا نفهمها في حينها ونغضب في حينها، لكنها تسود لأن هناك قانوناً يحمي الجميع وفوق الجميعmiddot;
التعليقات