23 يناير 2007


د. حسن مدن


إلى أي مدى نجح المؤتمر الذي التأم في العاصمة القطرية، الدوحة، حول الحوار بين المذاهب الإسلامية، وشاهدنا الكثير من وقائعه على الشاشة في الاقتراب من مهمته التي يفترض انه نظم من أجلها، وهي، كما يستدعي المنطق، احتواء، أو على الأقل التخفيف من حدة الغلواء الطائفية والمذهبية التي تجتاح المنطقة اليوم؟

يبدو الأمر مشكوكاً فيه، من وجهة نظرنا على الأقل، لأن هذا المؤتمر بدل أن يتوجه نحو التأكيد على المشتركات الكثيرة بين المسلمين ليس في التاريخ فحسب، وإنما في الحاضر أيضا، انصرف إلى إبراز ما يفرق، وبدل أن يرى أن تفكيك هذه المنطقة لن يتم بإعادتها مرة أخرى إلى طوائف ومذاهب، بعد أن تبلورت على شكل دول وطنية مستقلة، بهذا المقدار أو ذاك، أي في الصورة التي درجنا على وصفها بالدولة القطرية، والتي كانت المشاريع الوحدوية العربية تحسبها نواة أو مقدمة الوحدة العربية الشاملة. هذه الوحدة الشاملة باتت عصية في ظروف اليوم، والأدهى من ذلك أن تفكيك الدولة القطرية بات مقصد الكثير من اللاعبين في الخارج والداخل، فذلك يسهل الهيمنة على المنطقة، ووأد المشاريع الكبرى لشعوبها، واختزالها في ldquo;خطاباتrdquo; مذهبية وطائفية ضيقة كتلك الرائجة اليوم.

كان المؤمل من مؤتمر بالعنوان الذي انعقد تحته مؤتمر الدوحة، وبالنظر إلى طبيعة وحجم المشاركة فيه أن يتوجه إلى الأساسي في الأمر. في ظروف اليوم لم تعد المسألة منحصرة في رؤية ما الفوارق بين المذاهب وما السبيل لتجسير أو تضييق الهوة بينها، والمؤتمر على كل حال انصرف إلى الشطر الأول من المهمة، وانصرف بحكم أجواء المناقشات التي سادته عن الشطر الثاني منها.

المهمة الأساس اليوم أمام رجال الدين والساسة المخلصين الذين يتحلون بالمسؤولية والقلق على مصير أوطاننا إزاء حجم التحديات التي تتعرض لها هي أن يتصدوا لمساعي التحريض الطائفي غير المسبوقة في المنطقة، وهذا يتطلب مقاربات مختلفة عن تلك التي تمت في مؤتمر الدوحة للموضوع موضع النقاش، لأن المقاربات التي تمت فيه أعطت نتائج مناقضة لما يراد لمؤتمر مثل هذا أن يخرج بها، وبين المراقبين من يتساءل : ألم تصبح الأمور أسوأ بعد المؤتمر مما كانت عليه قبله، لأن مناقشاته التي نقلت على الهواء ساهمت في توتير المناخ المحتقن أساساً في العديد من المجتمعات العربية ذات البنية الطائفية المركبة كالعراق ولبنان وسواهما.

فكرة الحوار بين المذاهب الإسلامية ومساعي التقريب بينها ليست مسألة جديدة، وسبق أن جرت نقاشات كثيرة حولها، وجرى النظر إليها بالكثير من الايجابية كونها فكرة تصب في اتجاه تعزيز وحدة المسلمين، لكن الجديد في أمر مؤتمر الدوحة انه ينعقد في ظرف عربي شديد التعقيد، ويتطلب أمر مثل هذا درجة عالية من الوعي واليقظة الشديدة، مع ضرورة التذكير بأن المهمة الكبرى الماثلة أمام المسلمين جميعا، بصرف النظر عن انتماءاتهم المذهبية، هي نفسها تلك المهام المعلقة منذ أن تصدى لها رواد النهضة والتجديد في الفكر الإسلامي، وفتحوا لها دروبا لم يجر السير عليها من قبل من أتى من بعدهم، فكان أن انصرف المسلمون عن القضايا الكبيرة وتوجهوا إلى ما هو جزئي وعرضي، إلى ما يفرق لا إلى ما يوحد.