الخميس 25 يناير 2007
د. علي محمد فخرو
هناك ضرورة لطرح السؤال التالي: هل تمثل قضيتا السلوك والأخلاق في الحياة العربية أحد أهمّ أسباب التخلف؟ دعونا نكون أكثر جرأة ونتساءل إن كان هذا الموضوع يقلُّ أهمية عن مواضيع كبرى كالتنمية والوحدة والديمقراطية. إن الأخلاق، كفكر يعبّّّّّّّّّر عن نفسه في شكل قيم عليا، وكتطبيق يعبر عن نفسه في شكل سلوك وعادات، هي مرتبطة أشدّ الارتباط بمستوى إنسانية الإنسان، إنسانية تصعد وتهبط بمقدار تمسّكه بتلك القيم أو إهماله لها. من هنا تأكيد عالم الاجتماع عبدالرحمن بن خلدون على أنه quot;إذا فسد الإنسان في قدرته على أخلاقه ودينه فقد فسدت إنسانيتهquot;. والشاعر حافظ إبراهيم ربط الأخلاق ببقاء الأمم أو زوالها، حين قال في بيته المشهور: وإنما الأمم الأخلاق ما بقيت... فإن همُ ذهبت أخلاقهم ذهبوا. ويذهب المفكر طه عبدالرحمن إلى القول بأن الصفة الأخلاقية للإنسان، وليس صفة العقل والإدراك التي يتداولها الناس كثيراً، هي التي تميّّّّّّّّّّّّّّز الكائن البشري عن الحيوان، ويضيف بأن إحدى المسلَّمات النظرية الأخلاقية الإسلامية هي أنه لا أخلاق بغير دين. أما المفكر الـشهير محمد عابد الجابري فيرى أن الأخلاق الإسلامية تتجسّد في العمل الصالح الذي لأهميته ومركزيته قرنه الله سبحانه وتعالى بمسألة الإيمان به.
نحن هنا أمام موضوع مركزي في الفلسفة والدين والسياسة والاجتماع البشري، وبالطبع في الاقتصاد والإعلام والثقافة وكثير من نشاطات الإنسان الأخرى. بل نحن أمام صفة تقرّر مستوى الوجود الإنساني وبالتالي تعكس نفسها في مسيرة سمو الإنسان وفي مسيرة انحطاطه أيضاً. فإذا كان الأمر بهذه الأهمية فمن الضروري التساؤل إن كانت ثمة في حالة التخلف التي يعيشها العرب والمسلمون، وما يميز مجتمعاتهم من انحطاط وانفراط، تكمن أزمة القيم الأخلاقية، كمعيار السلوك وناظم للممارسة؟ رداً على ذلك نلاحظ الآتي:
أولاً: لم يهمل العرب المسلمون الثقافة الأخلاقية، فالجابري في مؤلَّفه عن quot;العقل الأخلاقي العربيquot;، أبرَزَ غنى الموروث الإسلامي بالكتابات الأخلاقية. لكن الموروثات الثقافية تحولت إلى quot;سوق للقيمquot;، متعددة ومتنافسة. لذلك فالثقافة العربية لم تعرف نظاماً واحداً للقيم. ولقد كان من أبرز مصادر القيم العربية الإسلامية في ذلك السوق المتصارع القيم الكسروية الفارسية التي تهيمن عليها أخلاق الطاعة التي كرّست مبادئ quot;الطاعةquot; التي بقيت مهيمنة على الوعي حتى يومنا هذا.
ثانياً: كانت المحصّلة أن الأخلاق لم تجد لها مكانة معرفية وفكرية مستقلة في الثقافة العربية. فلا على مستوى الفلسفة ولا على مستوى الفقه، لقيت لها مكاناً بارزاً ، فبقيت عبارة عن نصائح وتمنيات وإرشادات. والقلائل الذين حاولوا أن يجدّدوا هذا الحقل ويضعوه على أسس ثابتة، فشلوا أمام طوفان الجهل وفقهاء السلطان والشراح التقليديين.
ثالثاً: أمام تلك الصورة التاريخية والفكرية القاتمة تبرز فاجعة السلوكيات العربية كتطبيق لقيم أخلاقية غامضة. فكثير من علماء الاجتماع العرب تحدثوا عن العلاقات التسلطية غير الديمقراطية في الأسرة العربية التي يمارسها الأب المتسلط على وجه الخصوص، مما يربّّّّّّّّّّي أجيالاً من الخانعين الخائفين المستسلمين. وهناك تصرفات سلبية كثيرة في حياة العربي، كالاتكالية والفوضوية وقلة احترام النظام وإهمال عامل الوقت والأنانية المفرطة والخلط بين ثنائيات كثيرة: الشّطارة والتدليس، التواكل والتوكل...
رابعاً: ضعف الاهتمام بالتربية الأخلاقية في المقررات المدرسية، وكمثال على ذلك فقد أبرز الدكتور محمد جواد رضا في دراسة له عن تدريس التربية القيمية في إحدى جامعات بلدان الخليج هذه الحقيقة المذهلة: ليس بين 2674 مقرراً تدرّسها تلك الجامعة إلاً مقرّر واحد يتيم عن التربية الأخلاقية.
هل تستطيع أمّة تتعامل بمثل هذه الخفّة مع موضوع كالموضوع الأخلاقي في أهميته، أن تخرج من تخلُّفها وتبدأ نهضتها؟
التعليقات