الخميس 25 يناير 2007
د. حسن مدن
يروي الدكتور عبد الله المدني، الباحث في الشؤون الآسيوية، طرفة، أو ما يشبه الطرفة، عن مؤتمر للحوار أو التعاون الخليجي الياباني. قال إن اليابانيين جاءوا إلى المؤتمر محملين بالدراسات والتصورات وأوراق العمل لمستقبل العلاقات بين اليابان ومنظومة البلدان الخليجية، فيما ذهب الخليجيون صفر اليدين خالين من أي شيء ملموس يقدمونه بصدد ما يريدونه من اليابان ومن العلاقات معها، الأمر الذي أثار استغراب اليابانيين، فكيف لمن يتطلع أن يقيم شراكة مع الآخر أن يأتي خلوا من مقترحات محددة يقدمها ويتدارس مع الآخرين إمكاناتها؟ يقول الدكتور المدني إن المشاركين الخليجيين راحوا يتندرون على زميل سعودي لهم قضى نحو ربع قرن في اليابان، درس وتخرج من جامعاتها وعمل فيها، وهو يدون كل شاردة وواردة مما يدور في المؤتمر على الورق، ولما سألوه : ما خطبك يا صاحبنا تدون ما تدون، قال إن الياباني في اجتماع مثل هذا يحب أن يرى محاوره مهتما بما يقول، فيسجل ما يطرحه من أفكار دلالة على رغبته في العودة إليها ودراستها، أما إذا لزمت الصمت فان ذلك يدل على تجاهلك له وعدم اهتمامك بما يقول. وهذا أمر يعرفه الرجل لأنه عاش في اليابان، ولكن لا يحتاج المرء ليعيش هناك حتى يدرك أن التحضير للاجتماعات واللقاءات واجب. وهذا ينم عن ثقافة مختلفة لدى شعوب تلك المناطق التي تقدر وتجل من قيمة العمل وتضعها في المرتبة الأولى، لو قيس الأمر بشعوب اعتادت أن تتدبر أمورها بالبركة كما يقول التعبير الدارج.
والدكتور المدني أصدر مؤخرا كتاباً جديداً يندرج في نطاق اهتماماته بالشأن الآسيوي عنونه بالتالي: ldquo;المشهد الآسيوي : نافذة على أوضاع آسيا في مطلع الألفية الثالثةrdquo;، وضمنه فصلاً عن أسباب وعوامل النهضة الآسيوية، معدداً الكثير من هذه العوامل التي يمكن العودة إليها في الكتاب، ولكننا هنا نود أن نتوقف عند عامل ذي صلة بحديثنا هو ما دعاه الباحث ldquo;منظومة القيم الثقافية السائدةrdquo; التي يعتقد أنها لعبت دوراً محورياً في نهضة هذه المجتمعات، لأنها تولي اهتماما شديدا بقيمتي العلم والعمل، فالطفل في العديد من البلدان الآسيوية، بما فيها البلدان التي ننظر نحن إليها نظرة الازدراء، تغرس لديه منذ نعومة أظفاره ضرورة أن يتعلم وان يتفوق في تعليمه، وقيمة أن يحب عمله وان يتقن أداء هذا العمل، ويجري تلقينه أن ذلك واجب مقدس تجاه الرب والوطن والعائلة. وان من لا يعمل وفق هذه التربية يكون عرضة للاحتقار، وهذا ما يفسر برأي الباحث حالات الانتحار في صفوف المراهقين الفاشلين، لكنه يفسر من الجانب الآخر ظهور الأجيال المتعلمة والمؤهلة التي تشارك بحماسة في الإنتاج والبناء بدلا من الأجيال الجاهلة والكسولة والضائعة التي تعيش عالة على غيرها.
وطالما كان الحديث يدور عن القيم فبوسعنا كذلك التوقف أمام قيمة أخرى تغرس في نفوس شعوب تلك المنطقة منذ الصغر، هي قيمة التسامح مع الآخر المشترك في الوطن والمختلف في العرق أو الدين، وهي قيمة لعبت دورا مهما في دول مثل الهند وماليزيا وسنغافورة واندونيسيا لجهة تأسيس مجتمعات يسودها التعايش والتعاون ما بين اثنياتها ودياناتها المختلفة، بدلا من مجتمعات مشغولة بالإقصاء والعنف والأفكار العنصرية على حساب البناء والتنمية والنهضة كما هو شأن مجتمعاتنا.
التعليقات