السبت 3 فبراير 2007

د. عبدالعزيز المقالح


عنوان هذه الزاوية بكامله من صنع امرأة يمانية عجوز جاءتني صباح الاثنين الماضي 29/1/2007 إلى مكتبي صارخة نائحة. ظننت في البداية أنها طالبة حاجة أو شاكية من ظلم وقع عليها وتريدني أن أساعدها على توصيل صوتها إلى من يهمه الأمر، لكنها ما كادت تستقر على المقعد حتى انطلقت في صراخ حاد يقترب من البكاء منددة بالاقتتال الفلسطيني الفلسطيني، وما يجره على القضية المركزية للأمة العربية من انتكاسة خطيرة، وصلت بأبعادها الحقيقية وتأثيرها المباشر في مسار الصراع العربي الصهيوني إلى قلب الانسان العادي. إن ما يصنعه العدو بنا غير ما نصنعه نحن بأنفسنا، وفي رأي العلماء والجهلاء على حد سواء، ان الذي يحدث بين الحركتين الفلسطينيتين فتح وحماس لا مبرر له ولا يمكن الدفاع عنه أو السكوت عنه، وهو نوع من العبث غير المسؤول لإهدار الدم الفلسطيني.

قالت العجوز، وقد هدأ انفعالها بعض الشيء: لقد هجرت التلفزيون ومنعت أولادي وأحفادي من أن يفتحوه حتى لا نسمع مزيداً من أخبار الاقتتال بين الاخوة أصحاب القضية الواحدة والهم المشترك.

وواصلت العجوز القول: كان أول الاخبار يشير الى مقتل فلسطيني واحد برصاصات فلسطينية، وقلنا ربما يكون ذلك قد تم عن طريق الخطأ، لكن الأخبار توالت مقتل ثلاثة ثم أربعة وعشرة، وبلغ العدد كما تقول الاذاعات والفضائيات خمسة وعشرين قتيلاً. وقلت لأولادي هذه مجزرة والدم يجر الدم ولا يجوز السكوت، وأن ما تريده الدولة الصهيونية هو أن يقتتل الفلسطينيون فيما بينهم، وفي حالة انتصار احد الاطراف سيقوم جيش الاحتلال بالقضاء عليه.

أدهشني وعي المرأة العجوز وصواب رؤيتها إزاء ما يحدث في غزة خلال تلك الأيام السوداء، قلت لها لماذا لا تذهبين الى السفارة الفلسطينية وتعلنين احتجاجك على ما يجري؟ قالت لقد ذهبت فعلاً لكنهم منعوني من الدخول واعتبروني جئت ldquo;لأشحتrdquo; منهم وأنا التي تبرعت في مناسبات عديدة بكل ما امتلكه من ذهب ومازلت على استعداد لأتبرع بالمزيد، فما قيمة المال وفلسطين محتلة والقدس مهانة، وجيش صهيون يدنس بأقدامه الأقصى، والأمل في التحرر يكاد يبدو بعيداً؟

وأتوقف هنا لكي اشير الى ان هذه المرأة العجوز ليست الوحيدة التي أفزعها، بل فجعها، ما بدأ يحدث على أرض فلسطين الدامية، فهناك ملايين النساء والرجال الذين يؤرقهم ما يحدث، وما هذه المرأة إلا الرمز الصادق لما يكنه الشعب العادي وما يريد إيصاله إلى المقاتلين من استنكار صارخ وشجب صادق، ودعوة مباشرة الى ضرورة وضع حد للأسباب التي أدت وتؤدي الى الاختلاف الذي يؤدي بدوره إلى الاقتتال وإراقة الدماء في الساحة الخطأ والمعركة الخطأ، في وقت البلاد فيه أحوج ما تكون إلى كل قطرة دم من أجل التحرر.

كان أحد الزملاء حاضراً في مكتبي يتابع باهتمام كل كلمة قالتها المرأة العجوز، وبعد ان ودعني قال لي هل ستكتب عن هذه المقابلة المثيرة؟ قلت نعم. قال وهل سيصدق القارئ ان هذا ما قالته أو بعض ما قالته المرأة العجوز؟. قلت له: ما يعنيني هو أن يدرك الإخوة في فلسطين مدى الغضب الذي يتأجج في النفوس جراء ما يقوم به بعض المقاتلين من خروج على الثوابت ومن تجاوز لكل قيم الأخوة والنضال.