جهاد الخازن

لنتصارح. الأحداث في العراق ولبنان والأراضي الفلسطينية تثبت التالي:

العراقيون في حاجة إلى حاكم ديكتاتور ينظّم أمورهم بالقوّة.

اللبنانيون في حاجة إلى دولة أجنبية تمنعهم من الانزلاق مرة أخرى نحو حرب أهليّة.

الفلسطينيون في حاجة إلى وصاية دوليّة عليهم لأنهم يثبتون كل يوم أنهم غير مؤهلين للاستقلال.

أعرف أن كلامي هذا لن يرضي أحداً، وأرجو القارئ ألا يأخذه حرفياً، فإنا لا أريد أن يعود صدام حسين باسم آخر ليحكم العراق بالحديد والنار ويخوض مغامرات خارجيّة قاتلة، ولا أطلب أن تبسط سورية نفوذها من جديد على لبنان للفصل بين طوائفه وأحزابه، ولا أدعو أن ترسل الأمم المتحدة مفوضاً دولياً يدير الأراضي المحتلة إلى حين أن يرشد الفلسطينيون.

كل ما أقصد هو أن أنبّه العراقيين واللبنانيين والفلسطينيين إلى أن أفعالهم حجّة ضدّهم.

هناك حرب أهلية في العراق، وهي دائماً أبشع أنواع الحروب، والعراقيون المسلمون من سنّة وشيعة يقتلون بعضهم بعضاً، في شكل قصّر عنه الغزاة عبر التاريخ، وكل مَن ينكر هذا الوضع المأسوي مكابر أو شريك في الجريمة المستمرّة.

الاحتلال فتح أبواب الجحيم، إلا أن العراقيين يبقونها مشرّعة، وهم لا يستطيعون تحميل أي طرف خارجي وحده المسؤولية عن مصيبتهم، فالطرف الخارجي ما كان نجح لولا أن فاضت نفوس بما فيها، والإرهاب أكثره من صنع محلي، والمستورد منه له أنصار في الداخل يسهّلون مهمّته.

اللبنانيون لا يتعلّمون من تجاربهم، أو من تجارب الآخرين، وكنا اعتقدنا يوماً بأن لبنان تعافى أو كاد، ورأيناه ينتكس من جديد.

عندما كنت صغيراً كان السفير المصري اللواء عبدالحميد غالب المندوب السامي في لبنان، عندما كان جمال عبدالناصر في أوج شعبيّته العربيّة، وعندما كبرت سمعت الرئيس شارل حلو يقول لصحافيين لبنانيين زاروه: أهلاً بكم في وطنكم الثاني لبنان. وكلام الرئيس الراحل (وهو صحافي سابق) ينطبق على أهل البلد كلهم، وإذا لم تكن فرنسا laquo;أم الدنيا عمومraquo; فهي أميركا، وحتى ايران على رغم أن ايران الحالية ليست نموذجاً يحتذى.

كنت مع الرئيس محمود عباس في جناحه في الفندق نتابع التظاهرات في بيروت على التلفزيون، بدل أن نتحدث عن فلسطين، وشغلت الأوضاع اللبنانيّة الجزء الأكبر من حديثي مع الأخ عمرو موسى، الأمين العام لجامعة الدول العربيّة، والأخ عبدالإله الخطيب، وزير خارجيّة الأردن، والشيخ عبدالله بن زايد، وزير خارجيّة الامارات، بل انني اتصلت بأخينا عمرو هاتفياً أمس لأواصل السؤال عن لبنان, وهو كان قال لي في دافوس انه سيزور بيروت قبل أن تصل وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس إلى المنطقة في محاولة أخيرة لتفعيل المفاوضات بين الفرقاء اللبنانيين، وفهمت منه على الهاتف أنّ دولاً عربية، مثل المملكة العربيّة السعوديّة ومصر، تحاول بذل نفوذها مع دول أخرى لفك التشابك اللبناني المستمر.

أرجو من القارىء أن يتذكّر كلماتي التالية ويحاسبني عليها في المستقبل، فستكون هناك محكمة دوليّة للنظر في اغتيال الرئيس رفيق الحريري، رحمه الله، والأطراف اللبنانيّة التي تعارض المحكمة ستخدم نفسها ولبنان إذا استطاعت أن تتفق مع الجانب المؤيّد للمحكمة على المرجعيّة القانونيّة للمحكمة، وكل الشروط والتفاصيل الأخرى، لأن المحكمة آتية، وإذا لم يتفق اللبنانيون فستضع أطراف خارجيّة صيغة للمحكمة تناسبها هي.

وملاحظة أخيرة، لا أفهم لماذا يعارض laquo;حزب اللهraquo; المحكمة (هو يعارض حتى لو تذرّع بشيطان التفاصيل)، فهو بعيد عن اغتيال الرئيس الحريري، وتصريحات وليد جنبلاط غير ذات صدقيّة، ويفترض أن يعارض المذنب، لا البريء، إلا إذا كنّا مرة أخرى أمام حروب الآخرين في لبنان.

يقول الفرنسيون إنّ المصائب لا تأتي فرادى، والفلسطينيون مصيبة عربية أخرى، فهم قتلوا من بعضهم بعضاً في يوم واحد هذا الأسبوع ما لا تقتل إسرائيل في أسبوع كامل.

هم كل يوم يثبتون أنهم غير مؤهّلين لحكم أنفسهم بأنفسهم، وأنا أدين قياداتهم المحلية كلها، خصوصاً في غزة، واتهمها بقتل الفلسطينيين، طلباً للحكم والفساد فيه على جثث الضحايا.

اتهم القيادات المحلية، ولا ابرئ الرئاسة الفلسطينية أو قيادات الخارج لحماس وفتح وكل فصيل. ولا أعزل مسؤولية هذه القيادات عن مسؤولية الشعب، فهو الذي اختار هؤلاء القادة laquo;وكما تكونون يولّى عليكمraquo;.

أكتب مقهوراً محبطاً، وأقول للعراقيين واللبنانيين والفلسطينيين إنهم بأفعالهم يثبون حاجة العراق إلى ديكتاتور، ولبنان إلى دولة خارجيّة مهيمنة، والفلسطينيين إلى سنوات ليبلغوا الرشادة السياسيّة.

بل إنّ القهر والإحباط والتخوّف من المجهول تجعلني أفكّر في أن نتوقف عن محاولة إصلاح أي وضع، وكان الشاعر ابراهيم طوقان قال لقادة فلسطينيين: في يدينا بقيّة من بلاد / فاستريحوا كي لا تطير البقية، ولم يستريحوا فطارت البقية، وأشعر بأننا في كل مرّة نحاول إصلاح وضع نوجد وضعاً أسوأ، فربما كان أفضل أن نقبل laquo;الهبابraquo; الذي نحن فيه قبل أن يهبّ علينا ما هو أسوأ منه.