مسعود ضاهر

ليس من شك في أن انسداد الأفق السياسي في لبنان جزء لا يتجزأ من انسداد افق الحلول السياسية في منطقة الشرق الأوسط بأكملها، وهو نتاج سياسة العولمة المتوحشة التي خطط لها المحافظون الجدد في الإدارة الأمريكية، ويقودها الرئيس بوش بنزق لم يسبقه إليه أي رئيس أمريكي سابق. وقد بدأت نتائج سياسته السلبية تنعكس على مستقبل حزبه الجمهوري بعد الفشل الذريع الذي مني به في الانتخابات الماضية. لكن الرئيس بوش لا يزال مصراً على اكمال مخططه التدميري في العراق، واستقدام قوات أمريكية إضافية لتوسيع دائرة الحرب هناك، وحشد أساطيل أمريكا في منطقة الخليج العربي استعدادا لضربة عسكرية مرتقبة ضد إيران وسوريا.

يتصرف بوش بصفته الرأس العسكري للنظام العالمي، ويرتاح كثيراً للقب ldquo;شرطي العولمةrdquo;. لذلك باشر تأديب الدول والقوى ldquo;المارقةrdquo; في أفغانستان، والعراق، ولبنان، وفلسطين، وهو يستعد لشن الحرب على إيران وكوريا الشمالية. وتبعا لسياسة : ldquo;من ليس معنا فهو ضدناrdquo;، صنف القوى المحلية إلى قوى متعاونة أو معتدلة يجب دعمها، وقوى إرهابية يجب تأديبها ومحاسبتها. وجاءت تصريحاته الأخيرة عن لبنان تنفيذاً لهذه السياسة. فقد أسف لأعمال العنف الدامية التي وقعت مؤخراً في شوارع لبنان. وطالب بمعاقبة إيران وسوريا وrdquo;حزب اللهrdquo; بتهمة زعزعة الاستقرار فيه. ونوه بأصدقاء لبنان الذين هبوا في مؤتمر باريس لمساعدة الحكومة اللبنانية على بناء دولة حرة سيدة ومزدهرة. وتبرعت الإدارة الأمريكية للبنان بقرابة ثمانمائة مليون دولار، معظمها لأغراض عسكرية وليس للتنمية.

بالمقابل، وبعد أن ندد بمواقف سوريا وإيران وrdquo;حزب اللهrdquo; دعا إلى معاقبتها بشدة، مما يوحي باقتراب موعد ضربة عسكرية أمريكية ldquo;إسرائيليةrdquo; ضد هذه القوى مجتمعة. وقد استخدم في حديثه عبارات تصل إلى حد التطابق مع تصريحات قوى السلطة في لبنان. فقد اتهم قوى المعارضة بالقول: ldquo;إنهم يفتعلون العنف لمنع إنشاء المحكمة الخاصة باغتيال رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري، ولمنع التطبيق الكامل لقرارات مجلس الأمن التي تدعو إلى نزع سلاح ldquo;حزب اللهrdquo;، ولإسقاط الحكومة اللبنانية المنتخبة ديمقراطياًrdquo;. وانتهى إلى التأكيد على أن الولايات المتحدة ldquo;ستواصل دعم الحكومة اللبنانية في سعيها لتأمين السلام والازدهار لكل الشعب اللبناني، فالذين يسعون للوصول إلى حل سلمي دستوري للأزمة في لبنان يستحقون دعم المجتمع الدولي، أما المسؤولون عن أعمال الفوضى فيجب ان يحاسبوا ويعاقبواrdquo;. لكن غيرة بوش المصطنعة على لبنان، وتصريحاته المتكررة لدعم حكومته الشرعية طالما أساءت لقوى السلطة الحاكمة فيه. فالإدارة الأمريكية منحازة بالكامل، ومنذ عقود طويلة، إلى جانب ldquo;إسرائيلrdquo;، وقد أمدتها بكل الأسلحة الجديدة لتدمير لبنان في صيف 2006. وما زالت تمدها بأسلحة ذكية أو محرمة دوليا لكي تستخدمها في القريب العاجل ضد اللبنانيين تحت ذريعة محاربة ldquo;حزب اللهrdquo;.

على جانب آخر، وفي الوقت الذي كانت وسائل الإعلام تنشرأسف بوش على الأحداث الأخيرة في لبنان وتحذيراته ضد القوى التي افتعلتها، كانت وزارة الخارجية الأمريكية تعلن بصوت خافت أن ldquo;إسرائيلrdquo; أساءت استخدام القنابل العنقودية في لبنان. وكانت قد بدأت منذ أغسطس/آب 2006 التحقيق في كيفية استخدام ldquo;إسرائيلrdquo; للقنابل الأمريكية الصنع ضد اللبنانيين. وتوصلت اللجنة إلى قرار خجول جاء فيه: ldquo;إن وزارة الخارجية الأمريكية ترجح إساءة استخدام ldquo;إسرائيلrdquo; للقنابل العنقودية في لبنان خلال حرب تموز ،2006 وأن على الكونجرس أن يقرر ما إذا كان يجب التحقيق أكثر في هذه القضية أو اتخاذ إجراءات بحق تل أبيب التي تعتزم شراء ldquo;ldquo;قنابل ذكيةrdquo; أمريكية جديدة بمائة مليون دولارrdquo;.

هل هي لعبة خبيثة للإيقاع بين الكونجرس الجديد بأغلبيته الديمقراطية وrdquo;إسرائيلrdquo; أو لإجباره على اتخاذ موقف علني إلى جانبها؟ الجواب واضح وورد على صفحات ldquo;الجيروزاليم بوستrdquo; التي نشرت خبراً مقلقاً بأن القوات الجوية ldquo;الإسرائيليةrdquo; ستزود بآلاف القنابل الذكية من الولايات المتحدة في أكبر صفقة بعد حرب يوليو/تموز، وتصل قيمتها إلى مائة مليون دولار، علماً أنه خلال تلك الحرب، استخدم الجيش ldquo;الإسرائيليrdquo; الكثير من القنابل الذكية، وتلقى شحنات سريعة من الولايات المتحدة أثارت غضباً دولياً بعد استخدام مطار غلاسغو البريطاني لتمريرها. ومن المعروف أن القنابل الذكية تطلق بواسطة الطائرات، وتوجه من طريق الأقمار الاصطناعية.

إن إدارة بوش تقود منطقة الشرق الأوسط بكاملها نحو كارثة حقيقية، فهي مصرة على دعمها غير المحدود لrdquo;إسرائيلrdquo;، ولا تقيم اعتباراً لأي من حكومات الدول العربية، والإدارة الأمريكية مسؤولة أساسية في إفشال جميع التجارب الدستورية والديمقراطية التي شهدتها منطقة الشرق الأوسط.

إن بناء الإمبراطورية الأمريكية يتطلب دغدغة عواطف بعض القادة العرب، وتخاف إدارة بوش ردود فعل جيل عربي جديد بات يمتلك الوعي الكافي بأن هزيمة جميع المشاريع النهضوية العربية تمت على يد التحالف الثابت بين الإدارة الأمريكية والقيادة الصهيونية، فكان من الطبيعي أن تتوجه قوى التغيير الديمقراطي الحقيقي في العالم العربي إلى تعرية الحرص المزيف الذي تبديه إدارة بوش على من تسميهم ldquo;المعتدلين العربrdquo;، في الوقت الذي تعزز فيه دور ldquo;إسرائيلrdquo; العسكري لقمع حركات الاحتجاج أو الممانعة أو المقاومة ضد تحالف أمريكا مع الكيان لإطلاق مشروع الشرق الأوسط الجديد، وتوظف ldquo;المعتدلين العربrdquo;، في حربها المعلنة ضد من تسميهم ldquo;الحركات الأصولية وقوى الإرهاب العالميrdquo; في منطقة الشرق الأوسط، علما أن ldquo;إسرائيلrdquo; المدعومة من أمريكا هي قمة الإرهاب الذي يهدد شعوب هذه المنطقة.