محمد الحاج حسن : حزب الله مرتبط بمشاريع نجاد الخلاصية ومرتهن بفتاوى خامنئي

بيروت ـ حوار، منيف الصفوقي

من الطبيعي ان يولد من رحم المكون الشيعي في لبنان شخصا وتيارا آخر بعدما اختزل حزب الله وحسن نصر الله التمثيل الشيعي وبات هذا الامر مقلقا للعديد منهم مما جعل هناك حالة من الاختلاف والفراق المرجعي بمعناه السياسي، حيث ربط حزب الله عنوة بين الشيعة في لبنان والدور السياسي الايراني وهو ما يعارضه التيار الحر الذي نشأ حديثا في ظل حالة التجاذب والصراع الداخلي والتدخل الخارجي، محمد الحاج حسن منسق التيار الشيعي الحر يروي للمجلة دوافع نشوء هذا التيار واهدافه في حديث خص به المجلة فالى الحوار:



* في البداية كيف رأيت الإضراب الذي أعلنته المعارضة ونفذ الثلاثاء الماضي؟

ــ (لم تفاجئنا سحب الدخان الأسود الّذي أحدثته تنفيثات قلوب قادة ميليشيا 8 آذار السوداء، ولم تفاجئنا سلوكياتهم في قطع الطرقات والاعتداء على حرية الآخرين وتعطيل مصالحهم وقطع أرزاقهم، ولم يفاجئنا إغراق الحبيبة بيروت بسواد الحقد الدفين والمنتقم، إنما ما صدمنا هو تفرّج القوى الأمنية والجيش وعدم قيامهما بمهامهما بمنع قطع الطرقات والاعتداء على حرية الآخرين).
(هؤلاء خرجوا عن مفاهيم التعبير الديمقراطي والسلمي والحضاري ويمارسون غطرسة الاعتداء على سيادة الدولة وهيبتها بعد أن صدر التكليف الشرعي الّذي عمّمه السيد (حسن بن لادن) ويفرضه على جميع اللبنانيين محدثا) بذلك فتنة وخيمة العواقب).

(إيران طلبت من حزب الله التصعيد الميداني من أجل تدعيم دورها في المنطقة، وحزب الله فرض على أركان المعارضة من مسيحيين وسنّة ودروز أن يلهبوا مناطقهم بالدواليب وفرض وجودهم الميليشياوي ضاربا عرض الحائط ما قد يستتبع هذه الخطوة الجنونية من إراقة دم وتوتير الوضع العام وزعزعة الاستقرار) (إنّ حزب الله وتوابعه يرغبون بالفوضى ونشب الخلافات بين اللبنانيين لا سيما على الساحة المسيحية التي يزوّد حزب الله قادتها المعارضين بالمال النظيف وتوظيفهم خدّاماً لمشاريعه الفارسية الانقلابية والسورية الإرهابية).
(تصريحات مسؤولي حزب الله الاستفزازية والعنترية والتهديدية لا زلنا نسمعها وكبيرهم بالأمس يتعهد بدفع ما خسر الوطن من مال إلاّ أنّه نسي أنّ للبنانيين دينا في عنقه وهي دماء أبنائه الّذين سقطوا شهداء على مذبح الوطن بسبب تهوّر هذا الحزب الطامح إلى قلب النظام الديمقراطي وإعلان نظام مأمور ومحكوم بالفتاوى الخامنئية الفارسية).

* أعلنتم عن قيام تيار شيعي مناهض لحزب الله سميتموه التيار الشيعي الحر خلال الفترة التي أعلن فيها حزب الله عزمه على الإطاحة بالحكومة، فهل هناك من دفعكم للظهور في مثل هذا الوقت؟ وما الأسباب التي دفعتكم لتشكيل هذا التيار؟

ـــ إنّ الإعلان عن قيام التيار الشيعي الحر هو حدث أتى في ظروف ملائمة. إنّ إنشاء التيار الشيعي الحر هو عملية طالت في الزمن، وهذا الإنشاء نابع عن حاجة البيئة الشيعية إلى إعادة التواصل مع بُعدها الوطني ومع ذاتها الحقيقية في التجربة اللبنانية .
طبعاquot; إنّ التيار الشيعي الحر ليس الوحيد ولم يكن هدفه مواجهة أحد، فمواجهة كل ما يمسّ بالسيادة اللبنانية والقرار الوطني اللبناني هو مهمة كلّ اللبنانيين وبينهم التيار الشيعي الحرّ وربط قيامه وبمناهضة حزب الله هو ربط خاطئ، فإنشاء التيار هو عملية طويلة في الزمن ولكن إعلانه بدا وكأنه على طرف نقيض من الحالة المتحفزة لحزب الله وحلفائه في عزمهم على الإطاحة بالمؤسسات الشرعية اللبنانية وفي عرقلة استعادة لبنان لدولته ومؤسساته الدستورية، لذا يهمنا التفرقة بين إنشاء التيار وإعلان التيار ويهمنا التأكيد على أن ليس من دافع لإنشائه إلاّ إرادتنا في أن نكون متمتعين بحقوقنا الوطنية وملتزمين بواجباتنا تجاه وطننا وحقيقة التشكّل للإرادة الوطنية المستقلّة في أن يكون اللبنانيون أسياد مصيرهم وأن لا يُجير هذا المصير في حسابات قريبة وبعيدة، فمن حق اللبنانيين وبعد سنوات محنتهم الطويلة أن يصبحوا أخيرا) أسياد مصيرهم وصانعي مستقبلهم .

* عند مطالعة الأسس التي قام عليها التيار الشيعي الحر يلحظ أن هناك لهجة حادة تجاه حزب الله وإيران وسورية فهل هذا بداية لظهور تشكيلات شيعية خارج المفهوم السائد سابقا من التحالف مع هاتين الدولتين؟

ـــ في خلفية هذا السؤال افتراض يجعل من الشيعة أمّة داخل الأمّة والتشكيلات السياسية الشيعية دولة داخل الدولة، وهذا خطأ في المنطلق وما حالة إيران في استتباعها للتيارات الشيعية الأخرى وفي مصادرتها للعباءة الشيعية اللبنانية إلاّ عدوان (على لبنان وتسخير) لبعض اللبنانيين واجتراء (على الشيعة اللبنانيين وتشويه) للبنانيتهم، وهو مرفوض من منطلق شيعي حميم ومن منطلق لبناني سليم، وهو ما نرفضه ونواجهه ونربأ بحزب الله أن يتحول إلى وظيفة للسلاح الإيراني في سوق النفوذ الّذي يُدخل المنطقة فيه .. فنحن نادينا وفي أكثر من تصريح وحذرنا من أن يتحول حزب الله إلى وظيفة من وظائف السلاح وينتفي كون السلاح وظيفة من وظائف المقاومة والنضال فيقع في جارور الاستعمال الإيراني والسوري كما هو حاصل اليوم، ولأنّ حزب الله أصبح في هذه الحالة تكون القضايا التي أعطته المشروعية في السابق تحتاج لمن يعبّر عنها ويحتضنها ولمن يعمل في إيجاد مُتنفس للشيعة اللبنانيين في التواصل مع دورهم التاريخي في إنهاض لبنان وجعله موئلا للحرية والتعدد والتقدم والعدالة.

* هل تعتقدون في التيار الشيعي الحر أن بوسعكم التأثير في الرأي العام الشيعي اللبناني الذي يمثله حزب الله وحركة أمل بشكل كبير؟

ـــ إنّ الكلام عن التمثيل والممثلين والمُمَثلين هو كلام مستعمل كثيرا (في المزايدات خاصة الخطابية منها، فالتمثيل هو مسألة أساسية في إرساء شرعية الحكم في الأنظمة الديمقراطية ولا يمكن قياس التمثيل إلاّ في إطار مدى عام يجري ملؤه بواسطة مؤسسات تسمح بتكوين الأطر التمثيلية التي تتولى التشريع والمراقبة ويتكون هذا المدى من أشخاص متساوين في إطار يحمي الحقوق والحريات كافة، لذا عندما تقول إنّ الرأي العام الشيعي اللبناني يمثله حزب الله وحركة أمل بشكل كبير تكون قد وقعت في خطأ، بإمكانك القول إن حزب الله ولتركيبته الشيعية التي سمح ببقائها بعد أن تأكّد من سيطرته على كامل مفاصلها قد صادر الرأي الشيعي والتمثيل الشيعي، فلا يمكن أن تعرف من يمثل الشيعة فعلا) إلاّ إذا رفعت عنهم الإلزام والقسر والسلاح وأصبحوا مواطنين لا قطعان يحرسها مدججون بالسلاح وأجهزة أمنية واستخباراتية متعددة. لذا أنا لا أدعي أنني أمثل رأي الطائفة الشيعية كما لا يمكنني أن أسعى إلى المصادرة على آراء الآخرين، فلا هو من طبعي ولا هو من قدرتي ولكن لي قدرة واحدة على التعبير عن رأيي وعن آراء الناس الذين يشاركونني وضعي وأعتبره واجباquot; لن يثنيني عنه ترهيب مرهب وترغيب مرغب.

* هناك من يقول إن التيار الشيعي الحر مجرد تشكيل مرحلي أنتجه الصراع السياسي بين الأكثرية والأقلية وأن بقاءه مرهون بالتسويات السياسية التي قد تنتج مستقبلا؟

ـــ بالطبع إنّ التيار الشيعي الحر هو تشكيل مرحلي، فكل تشكيل هو تشكيل مرحلي ولا تشكيلات سياسية إلهية إلاّ في مخيلات البعض، فما هو نهائي فقط هو الوطن اللبناني بمنطوق الدستور الّذي ينص في مقدمته على نهائية الوطن اللبناني، هذا في الإطار السياسي، أما في الإطار القيمي فهنالك قيمة واحدة مطلقة هي قيمة الإنسان، وكلّ إنسان في حياته وأمانه وقدرته على تحقيق ذاته والسعي إلى سعادته، هذا ما يمثل في قناعتنا المعنى المباشر لنهائية الوطن اللبناني في مقدمة الدستور، أما القراءة التي تعتبر أن كلّ نشاط في بقائه وفي دوامه وإنتاجه مرهون بأسواق التسويات والبازارات السياسية، فهذه القراءة هي مرحلية أنتجها التعدي السافر للمال الإيراني ومتاجرة النفوذ الإيراني وما يفبركه لنا من وسائل دعاية وجمعيات استرهان في تغطية السموات بالقبوات كما يقول المثل اللبناني.

* قلتم في أكثر من مناسبة أنكم تدعون مفتي صور وجبل عامل لترؤس التيار الشيعي الحر فهل هذا توجه للإبقاء على التيار في صبغة دينية في تجربة مشابهة لتجربة حزب الله؟ أو أن الفعاليات الشيعية المناهضة لحزب الله حاليا في لبنان أغلبها ذات ميول علمانية ما يصعب انخراطها في تياركم أو انخراطكم في تنظيماتها؟

ـــ إنّ دعوتي لمفتي صور وجبل عامل العلامة السيد علي الأمين لترؤس التيار الشيعي الحر له علاقة باحترامي الكبير له وتقديري لما أدلى به في أكثر من مناسبة، ما يعبّر عن حرية رأيه واستقلاليته، أما ما يتعلق بالصبغة الدينية للعمل السياسي فهو شيء أرفضه، إنّ تسخير الدين واستعمال الفتاوى في إدارة مصالح الناس والتحكم بها هو أمر ممجوج وكريه يجعل من الدين أداة قهر واستعباد ما يبرر الكفر بالله .. أعوذ بالله.
فتجربة حزب الله لا أريدها وإن كنت أتحرك تحت عنوان مذهبي، وهنا أودّ التفريق بين الصبغة الدينية والعنوان المذهبي، وذلك سندا لطائفية النظام السياسي اللبناني، فالفعاليات الشيعية ذات الميول اليسارية هي شيعية أيضا ولكن أحسّ من موقعي كمحمد الحاج حسن أنّ لي واجبين واحد في إطار المساهمة السياسية في مشروع الطائفة الشيعية اللبنانية، وآخر في إطار مفهوم علاقة الدين بالسياسة، ففي التراث عرفنا فقهاء السلاطين وخطرهم في تشويه الدين، وهذا الخطر يسير وضئيل أمام سلطنة الفقهاء وتحويل الدين إلى أداة للقمع والتسلط وإفقاد الدين لمعناه ودوره، ونجد تطرفا لهذه الحالات حتى الإرهاب الممجوج والمرفوض.

* يلحظ في الفترة السابقة احتدام الصراع داخل الطائفة الشيعية اللبنانية بين من ينادي بضرورة إبقائها ضمن المرجعية النجفية وبين من يريد إلحاقها بالرؤية الإيرانية بالنسبة للأمور الدينية أو السياسية. فهل حركة الاحتجاج الحالية في وجه حزب الله من قبل أطياف من شيعة لبنان خصوصا الدينية مرتبطة بهذا الصراع؟

ـــ إنّ الصراع داخل الطائفة الشيعية بالنسبة للمرجعيات ناتج عن تصور يقول بولاية الفقيه المطلقة، أي أن الولي المطلق هو ولي أمور المسلمين جميعا وليس الشيعة فقط وبالتالي يبغي هذا الفقيه المطلق تمثيل وإخضاع المسلمين جميعا لولايته وهذه الأزمة يعيشها إيرانيون وقميّون في الصميم وهي ليست حكرا على ما يجري في لبنان أو في النجف الأشرف أو في أي مكان آخر من البقاع الشيعية. إنّ مشروع ولاية الفقيه هو مشروع مستورد وهو تعميم لمصطلح فقهي قياسا على تجربة التشدّد الإسلامي السني وهي نظرية تمثل بمفردات شيعية شعار الإسلام هو الحل المتطرف لدى الإخوان المسلمين ويعود هذا التفكير لفشل عبور المجتمع الإيراني إلى الحداثة والديمقراطية، وقد عكس النظام الإيراني تحت مقولة تصدير الثورة هذه المشكلة على كل شيعة العالم، وفي لبنان أخذ هذا المفهوم أبعادا أخرى دفعته إلى تقليد العالم السني في الحصول على ابن لادن شيعي هو حسن نصر الله، هذه الموازاة هي من منطلق بدائي على أن لكل عشيرة بطلها، هذه النزعة القبائلية لا تعبر إلاّ عن فشل وتخلف مجتمعاتنا، ويكون الحل بمفهوم المواطنية والحقوق والحريات في الإطار الدستوري وفي الديمقراطية كوسيلة في إدارة الشؤون العامة والسعي للنمو والرفاهية.

* موقف حزب الله وحركة أمل الأخير في تزعم حراك سياسي يهدف إلى إسقاط حكومة السنيورة تم تأويله من التنازع السياسي إلى التنازع الطائفي فهل هناك حق في هذا التأويل؟ وهل تخشون على الطائفة الشيعية من مثل هذه الممارسات التي أقدم عليها حزب الله وأمل بداية بالاستقالات والاعتصامات الحالية والتهديد بالتصعيد قريبا؟

ــ بالطبع أنا أخشى من تطييف الحياة السياسية اللبنانية. فنحن نصرّ على طائفية النظام اللبناني في إطار الديمقراطية التوافقية وفي إطار التعددية المجتمعية التي تمثل نسيج المجتمع اللبناني، ولكننا ونحن ننظر للتنوع نرفض الاحتجاج بالاختلاف كاحتراب وشحن للأحقاد وما تفعله إيران وسوريا هو التلفع بالعباءة الشيعية كلٌّ لهدفه، الأولى في استغلال الساحة اللبنانية لسياساتها النووية المتدحرجة، والثانية في استعمال العناوين الطائفية في تقويض الكيان اللبناني وفي خنق الديمقراطية اللبنانية التي تشكل خطرا على أي نظام استبدادي لا يقدر على تحمل صوت حر فكيف بمجتمع يتفاعل وينمو ويتقدم، أنا لا أخشى على لبنان وعلى الطائفة الشيعية لأن اللبنانيين أصيلون وإرادتهم في النهوض لا بد أن تؤتي أُكُلها ولا بد من أن تتحرر إرادة اللبنانيين وأن يقوم لبنان من بين هذا الركام الذي تحيطنا به مشاكل المنطقة وعُقدها المتأصلة.

* هل تعتقدون في التيار الشيعي الحر أن حزب الله سيستمر بقوته الحالية إذا ما أعيدت مزارع شبعا وسويت قضية الأسرى خصوصا وأن الحزب فقد شيئاً من بريقه بعد تحرير الجنوب؟

ـــ إنّ حزب الله اليوم أصبح بعيدا عن العلاقة بمزارع شبعا وموضوع الأسرى فهذه القضايا يحكمها اليوم القرار 1701 وتشرف عليها الدولة اللبنانية، فكما دفع التعاطف الدولي مع لبنان والعمل المتفاني لرئيس الحكومة إلى وقف الحرب الإسرائيلية على لبنان فهذه القضايا في عهدة أمين هو رئيس الحكومة اللبنانية فؤاد السنيورة، وبالنسبة لحزب الله لا تمثل هذه القضايا إلاّ حجة تسمح له بإبقاء سلاحه وإبقاء هيمنته على جزء كبير من حياة الوطن. فكما كان الانسحاب الإسرائيلي من جنوب لبنان ضد مصلحة معلميه السوريين، إنّ مزارع شبعا لا تعني أكثر من حجة تسمح له باستدرار النفوذ الإيراني وخدمة أسياده الإيرانيين الّذين عبروا بلسان وزير خارجيتهم إبّان الحرب الإسرائيلية أنهم ضد ترسيم الحدود في مزارع شبعا وضد إعادتها فحزب الله إن أُعيدت مزارع شبعا سوف يستمر بالتمسك في سلاحه راغبا برمي إسرائيل في البحر، حتى لو رماها في البحر سيستمر بالاحتفاظ بسلاحه محتجا بإمكانية تعبيد طريق إلى السماء، فما قلته سابقا عن كون حزب الله أصبح وظيفة للسلاح هو الّذي بحكم طبيعة تصرفه وغاياته البعيدة، فأنا أطرح سؤالا أساسيا حول معنى الوطنية اللبنانية في بنية حزب الله الفكرية والعقائدية كحركة سياسية وحول تفسيره الإلهي وتمييزه عن غير الإلهي في خطابه وأخلاقياته العملية، فهنا لب المسألة وليس في انسحابات من مزارع شبعا أو غيرها.

* هناك من يرى أن حزب الله أصبح عبئاً على شيعة لبنان لارتباطه بإيران وسورية وبسبب تبنيه خطاباً ثورياً يخيف من في الداخل وغير مرض لأطراف دولية كثيرة؟

ـــ طبعا إنّ حزب الله أصبح عبئا على شيعة لبنان لارتباطه بالمشاريع الخلاصية لأحمدي نجاد وفي استرهانه لفتاوى خامنئي السياسية.

* في الأوضاع الإقليمية تشكل الأزمة العراقية هاجساً كبيراً للعديد من الدول العربية بسبب الصراع الطائفي الدموي بين السنة والشيعة حتى بات ينظر بكثير من الريبة للأقليات الشيعية في الدول العربية. فهل تتصور أن لبنان ـ وهو النقطة الأضعف عربيا ـ قادر على تجاوز مأزق مشابه كثر التحذير منه مؤخرا؟

ـــ إنّ كوابيس الفتنة هي أمرٌ يُنتجه ويغذيه ويربيه القمع والاستبداد كما يتيح قمعا واستبدادا في المقابل، فالكراهية لها تربة في النفوس المقهورة والمثلومة الكرامة يزرعها ويغذيها الإستبداد والصلف والظلم كما أصبحت موضوعا يجري الكلام عليه وفيه من واقع قراءة ضعفنا وتعلقنا بالماضي وعدم نظرتنا إلى الأمام، هذا في المنطقة، أما في لبنان فهنالك رغم كل المظاهر مجتمعا سمحا لا مكان فيه للتطرف وما الصراعات والحروب التي شهدها لبنان إلاّ حروب الآخرين على أرضه. وقد تعلم اللبنانيون من نتائج هذه الدعوات ومراميها بلحمهم ودمهم ولن يكرروا السقوط في هكذا مصائب.
إنّ لبنان هو النقطة الأضعف عربيا وهذا صحيح، ولكن في هذا الضعف قوته فهو اليوم قبلة أنظار المجتمع الدولي والإخوان العرب وما فيه من مصيبة إلاّ ما يُروّج عن أساطر القوة لدى بعض معتمدي خطاب العنف وثقافة الموت، ومعتمدي هذا الخطاب يعتمدونه عن أصول ومصادر وجذور لا تنبت في التربة اللبنانية.

العراق لم يعرف الطائفية بالشكل الّذي نراه اليوم، فشعائر كربلاء هي شعائر تجمع السنة والشيعة في ماضي العراق القريب والجيش العراقي الذي قاتل لثماني سنوات متتالية جيش الثورة الإيرانية كان في غالبيته من أبناء الطائفة الشيعية، فمناخ التنعير الطائفي هو مناخ يدفع به التوجه الإيراني في سياسات نفوذه وهدفه القضاء على العروبة والرابط العربي، وعلى هذه القاعدة ينبغي مواجهته ومقارعته، فهذا الانقسام المذهبي وهذا الانثلام في جسد العراق الحبيب لا يُعالج إلاّ بحنو عربي وبنخوة عربية تجاه العراق ككل بكافة عائلاته وعشائره المذهبية وتنوعاته السياسية.

* شكل إعدام الرئيس العراقي السابق صدام حسين يوم عيد الأضحى الماضي سخطا شعبيا طال خصومه كون توقيت الإعدام جاء متزامنا مع مناسبة دينية وتم تبرير التوقيت من قبل الحكومة العراقية ـ التي يمثل شيعة العراق الغالبية فيها ـ بأن المراجع الدينية الشيعية قررت أن يوم العيد هو اليوم التالي للإعدام ما فسر على انه استخفاف بمشاعر السنة. فهل لك تعليق على هذا الحدث؟ وهل تعتقد أنها ستكون ورقة ترفع بين الحين والآخر للاستشهاد بأن الشيعة لديهم مشروع معاد للسنة؟

ـــ إنّ إعدام صدام حسين هو خاتمة عادية لعهده، هذا العهد الّذي لم يكن نتاج طائفة معينة أو مذهب معين، فعهد صدام حسين كان نتاج حراك سياسي متأصل في العراق الحديث منذ انقلاب عبد الكريم قاسم وجذور هذا العهد في بشاعته وغرابته في المناحي التي اختطتها النخب العراقية خصوصا والعربية عموما التي انتسبت للقومية والتغيير والثورة، فعهده بكليته مع خاتمته ليس شيئا غير مألوف في ثقافة الاستبداد والعنف والموت في انحراف النخب العربية واتجهاتها القومية المتطرفة ولهذا أشكال عديدة قد أعيد انتاجها بشكل متواصل في العالم العربي والإسلامي من الناصرية إلى البعثية بشقّيه إلى الخمينية بكلاحة وجهها، كلّ هذه الاتجاهات تشرب من معين واحد، سواء كانت مؤمنة أو ملحدة، رأسمالية أو اشتراكية أو عالم ثالثية، كلها مرجعيتها واحدة وما الدعوات الأيديولوجية إلاّ مفاهيم أدوات في نزاعاتها للتحكم بالسلطة والإثراء بنفسية المماليك لا بنفسية الأسياد. إنّ صدام حسين حصد ما زرع رغم أني ضد الإعدام بالمبدأ فحياة الإنسان ثمينة وغير مخول أحد بإنهائها إلاّ باريها، ومن نفذ إعدامه فقد ارتكب خطأ وخاصة إلى جانب ما يُنسب إلى هذا الخطأ من الاستخفاف بمشاعر السنة هو افتراض أذية مشاعر السنّة من إعدام صدام حسين.

من الممكن أن إعدامه بهذه الطريقة يهدف إلى استثارة الغرائز وهذا ليس غريبا عما يفعله الإيرانيون والفوضى والاضطراب في العراق أسوأ ما فيها أنها سمحت للإيرانيين بتأثير ونفوذ كبيرين ولا أجد إعدام صدام بهذه الطريقة بعيدا عن الخط العام الذي تنتهجه سياسة النفوذ الإيرانية، فعملية التحريض المذهبي هي أداة تعامل إيرانية بامتياز وفي كثير من الأوقات يسقط عدوهم أو خصمهم في التداول بهذه العملة. يجب علينا كعرب أن تكون هذه العملة غير صالحة للدفع في أدبياتنا وخاصة السياسية منها، فالأعياد ليست سنية فقط هي أعياد إسلامية عامة، وكان من الواجب مراعاة حرمة أيام الله وشعوري كمسلم شيعي أيضا وتأجيل الإعدام لما بعد الأعياد مع تأكيدي على أنني ضد الإعدام من ناحية المبدأ، كما أنني أعتبر صدام حسين من أكبر المجرمين الّذين انتهكوا الحقوق الإنسانية في العراق وجرائمه التي ارتكبها يصح وصفها بالجرائم ضد الإنسانية وينبغي عقابه عليها دون شك وأن يكون العقاب درسا لأمثاله من استالينيي العرب، ولكن لا بد من محاكمة القادة الإيرانيين الّذين أيضا فتكوا بالشعب العراقي وأبادوهم بحمم صواريخهم، وأخشى أن يكون من نفذوا الإعدام لهم ارتباطات بجماعات عراقية مدعومة من إيران ويصبح الإعدام على قاعدة الانتقام لا على قاعدة العقاب، وما أثار اشمئزازي هو الطريقة المرعبة التي تمّ التعامل بها مع صدام حسين ومعاونيه وطريقة فصل الرأس وأنا في هذا المقام أطالب بفتح تحقيق عربي لكشف ملابسات هذه الحادثة بكل جوانبها. أما عن قرار المرجعية الشيعية في ذلك فلا أعتقد أن المرجعية في النجف لها ارتباط في كل ما جرى وإن كان الهمس عما كتب عن وجود مقتدى الصدر أثناء الإعدام فمقتدى الصدر لا يمثل المرجعية الدينية إنما يمثل حالة ميليشياوية مدعومة من إيران وتتحرك في الفلك الإيراني كغيره من الحركات.

وحذاري من أن تتغلغل في مجتمعاتنا العربية مؤامرة فرسنة الشرق وتسري تحت أقدامنا كالنار في الهشيم ونحن في غفوة التخامر السياسي والطمع السلطوي وحب الإمارة، لأن في ذلك إطاحة بالإمارة والمُتأمّرين.

و(أتمنى أن يلتقي المسلمون على كل ما يوحد كلمتهم ويجمع صفهم في مواجهة أعداء الإسلام والعروبة وأن يتركوا الخلافات الضيقة التي معظمها يجب أن يزول مع التاريخ وإن كان من استحضار لبعضها فليكن استحضاراً من أجل التعلم من الماضي لا من أجل الانقضاض على الحاضر وحرق المستقبل).