الأثنين 5 فبراير 2007

ماجد أحمد السامرائي


لم يعد الحديث عن فشل المشروع الأمريكي في العراق كافياً للبحث عن طرق للخلاص من محنة العراق الحالية وتداعياتها المستقبلية، فالأمر أخطر بكثير من هذا التسهيل. خطورة الأمر أن ما وقع بعد الاحتلال هو هيمنة قوى وأحزاب على الحكم تظللت بالمذهبية الدينية واستندت على مباركة قوة الاحتلال الأمريكي ودعمه السياسي والعسكري في منح الأغطية الشرعية كالانتخابات والدستور، وتصاعد وتيرة هذه الهيمنة عبر إشاعة التناحر الطائفي والمذهبي والقتل والتهجير المنظم على الهوية لتنفيذ أخطر مشروع طائفي يعود بالعراق إلى عصور التخلف ويضع العالم العربي ومنطقة الشرق الأوسط في حالة من الانقسام والتناحر والاحتراب المذهبي. وإذا كان من الصعب عزل السياسة البربرية التي تنفذها المليشيات المسلحة كأدوات لأحزاب السلطة والجماعات الإرهابية الوافدة عن السياسة الأمريكية في العراق، وهي سياسة غامضة تنحدر إلى مأزقها يوماً بعد يوم خصوصاً في برنامج بوش الحالي بزيادة أعداد المقاتلين الأمريكان في العراق ومحاولته تبرير هدفه أمام الكونجرس الغاضب بعزل حكومة المالكي عن طهران, وتنفيذه ثنائية محاربة حكومتها ليس بالمواجهة العسكرية النظامية، وإنما عبر الإعلان عن ملاحقة وقتل خيوطها الاستخبارية في العراق، ودعم حكومة المالكي في برنامجها الطائفي التي تستهدف في خطتها الأمنية الحالية: استكمال مشروع إفراغ بغداد من العرب السنة وتفتيت مراكزهم السكانية وخطف وقتل نخبهم السياسية والعسكرية والثقافية أو تهجيرهم خارج العراق. وهو تبرير ضعيف، يتجاهل المشكلة السياسية الرئيسية التي حصلت بعد الاحتلال وهي انهيار الدولة العراقية، وإقصاء جميع القوى والرموز العراقية اللبرالية والوسطية، ويتغافل قوى المقاومة الوطنية في خلط أوراقها بالجماعات الإرهابية التي تستهدف المدنيين العراقيين.
إن قلق الوطنيين العراقيين المبكر قد تحقق في انتقال مشروع التناحر الطائفي من منظومات العمل السياسي التي أنشئت من قبل الحاكم الأمريكي بريمر وكرست بواسطة الدستور والفعاليات الأخرى إلى أوساط المجتمع العراقي المنكوب من العرب السنة والشيعة وكذلك الأقليات الرئيسية كالتركمان والمسيحيين والآشوريين والكلدان، حيث ينفذ مشروع التفتيت بدماء الأبرياء، وهذا مما عقد الحلول أمام عقلاء العراق الذين لم يعد لهم مكان في القرارات السياسية، وإن الحديث عن وجود قوة سياسية سنية تتمثل بالحزب الإسلامي العراقي وبعض من يقول إنه يمثل العرب السنة داخل العملية السياسية، إنما هي أغطية مخادعة لتمرير المشروع الطائفي في العراق.
إن إدارة بوش تخشى من الاعتراف بحقيقة فشل تحالفها مع القوى التي نصبتها بعد اجتياحها للعراق. ولقد أضر هذا الفشل ضرراً فادحاً بأرواح العراقيين وممتلكاتهم ونسيجهم الاجتماعي ويهدد وحدة وطنهم، وكذلك ألحق الأضرار بأرواح الأمريكيين ووضع سمعة بلدهم في الدرك الأسفل وعرض مشروعهم في الشرق الأوسط إلى الانهيار التام.
ما يهم أبناء العراق هو عودة بلدهم إلى حالته الطبيعية، وهذا لا يعني عودة النظام السابق مثلما يخادع به الماسكون بالسلطة في المنطقة الخضراء.. بعبارة مباشرة وواضحة quot; لقد فشلت حكومات الاحتلال quot; التي فتحت أبواب جهنم، وفتحت معارك الاحتراب الطائفي وجلبت جميع أنواع الإرهاب إلى الساحة العراقية.. وبعد أربع سنوات من المحن والمجازر، لا حل سوى بوضع هذه الحكومة أمام مسؤولياتها تجاه شعب العراق. وأن تخضع للمساءلة الوطنية عما اقترف من جرائم بحق المواطنين ومن نهب لثروات العراق، وذلك من خلال برنامج للخلاص الوطني تقدمه القوى الوطنية وعقلاء العراق من الوطنيين الذين يزخر بهم البلد. ولكي لا يتهم أصحاب ودعاة هذا المشروع الوطني العراقي بالخيال وعدم الواقعية وباستحالة تقديم البديل، فإنه يمكن أن يطرح منهج متدرج تلتزم بتطبيقه الحكومة العراقية خلال فترة زمنية لا تتجاوز (الشهرين), يرتكز على الإجراءات الفورية التالية:
1- إعلان حل فوري للمليشيات المسلحة ونزع أسلحتها أمام الرأي العام وفق جدول زمني لا يتجاوز الأسبوعين، ومنع جميع محاولات الالتفاف على هذا القرار بإدخال فرق المليشيات إلى تنظيمات القوات المسلحة ووزارة الداخلية.
2- إطلاق فوري لسراح جميع الأسرى والمعتقلين العراقيين وإحالة المتهمين بجرائم واضحة ومعلنة ضد المدنيين إلى القضاء العادل.
3- إعادة جميع المهجرين إلى مساكنهم الأصلية وتعويضهم عن خسائرهم في الممتلكات والأموال.
4- تشكيل لجان عليا لتعويض المواطنين الأبرياء وذويهم ممن قتلوا أو جرحوا ولحقتهم العاهات الدائمة أو دمرت منازلهم أوصودرت ممتلكاتهم من قبل قوات الاحتلال وحلفائها من السلطات الحكومية.
5- الإعلان عن إبطال منهج المحاصصات الطائفية في أجهزة الحكومة والمؤسسات المدنية والعسكرية وإلغاء التشكيلات الوزارية والتعيينات وغيرها التي تمت وفقها. وتشكيل حكومة تكنوقراط لا علاقة لها بالأحزاب الحاكمة.
6 - إبطال قانون الطوارئ.
7- إعلان العفو العام وإعادة جميع المفصولين السياسيين أو وفق قانون اجتثاث البعث إلى وظائفهم وتعويضهم.
8- تعطيل جميع العقود والاتفاقات الخاصة برهن ثروات العراق للشركات الاحتكارية الأجنبية وخصوصاً الثروة النفطية.
9- الدعوة إلى تعليق الدستور الذي نص على إجراء تعديلات تتعلق بجوهر العملية السياسية وتداعياتها.
إن عدم التزام الحكومة بتنفيذ تلك الإجراءات سيقود إلى التدرج ببرنامج المشروع الوطني ومطالبة (البرلمان الحالي) بمساءلة الحكومة، وإذا لم يتحقق ذلك فستكون الدعوة (مشروعة) إلى إعلان المؤتمر الوطني العراقي ومرجعيته (سحب الثقة بالحكومة الحالية) والدعوة إلى انتخابات مبكرة ووضع العراق خلال الفترة الانتقالية تحت (الوصاية الدولية) مثلما حدث في (تيمور) لحين قيام حكومة إنقاذ وطني عراقية.
إن آليات هذا المشروع ستكون ضمانة لحقوق العراقيين في حماية أرواحهم أولاً وحماية كيان العراق الآيل إلى التقسيم والتفتيت الطائفي والعرقي. وهذه الآليات ينبغي أن يتم حولها حوار معمق في اجتماع بين الأطراف الوطنية العراقية تديره اللجنة التحضيرية للمؤتمر الوطني، وبرعاية إحدى الدول العربية المعنية بالشأن العراقي ثم الانتقال إلى مرحلة الحوار مع أوساط القرار السياسي التشريعي والحاكم في الولايات المتحدة ودول الجوار (إيران وتركيا) ثم يدعى إلى عقد المؤتمر الوطني العراقي برعاية الجامعة العربية والأمم المتحدة في أقرب وقت ممكن.


* كاتب وسياسي عراقي