تركي بن عبد الله السديري
ليس من السهولة.. بل هو المستحيل المؤكد.. تحول المآسي المروعة إلى هزل مضحك.. ربما عرفت أوروبا شيئاً من هذا في زمن صراعاتها الدينية بما هو عليه من تضاد، لكن ليس بكل ما فيه من قسوة.. فهذا العراق تحول إلى مطحنة بشرية مخيفة.. ولم يعد السؤال: كيف يتمكن المتفجرون من دخول العراق أو من تجهيز أنفسهم عندما يكونون من أهل العراق وهم فعلاً في أكثريتهم من أهل العراق؟.. وكيف يتوفر لهم هذا العدد الكبير من السيارات التي تجهز للتفجير؟.. لقد أصبح السؤال: كيف يتوفر لهم هذا العدد الهائل من القتلى؟.. وهل كان أحد يتصور أن يقتل الفلسطيني مواطناً مثله بسبب أنه يختلف معه في رأي أو موقف؟.. وهل يعقل أن يشطر حزب مساحة دولة واسمها وقدرتها السلاحية فيكون خصماً مخيفاً لأكثريتها كما في لبنان؟..
رغم هذه القسوة يأتي الهزل المخجل عندما تجد أن هناك جنوداً يزعمون أنهم أتوا من السماء.. أي من الله.. تماماً مثلما أن في لبنان حزباً لله.. وجنود العراق يقودهم كائن نوراني يستعصي على الهزيمة ثم تجد أن غارة عسكرية تودي بحياة أكثر من مئتين وخمسين شخصاً.. وأنه يتم البحث عن سجون تتسع لأكثر من خمس مئة شخص حيث السجون سلفاً مشحونة بالمدانين..
إلى جانب جند الله وحزب الله هناك من يعتقدون بوجود صدام حياً قوياً يحارب إلى جانب قواته.. وآخرون يزحمون إعلامهم الشعبي المبسط بوجود ظواهر عليها أدلة قوية بأن المهدي المنتظر على وشك الخروج إلى عالم الواقع..
هذا الجنون مَنء يقبله.. مَنء يقتنع به؟.. خصوصاً وأنه ليس هناك أخطر من مؤثر الدين.. أي دين.. متى وجه ورتب لكي يدفع الناس جماعات نحو الموت في مواجهات غير متكافئة..
قبل فكر العراق الدموي مارس تنظيم القاعدة مثل هذا التلغيم للعقول والمفاهيم.. هنا نصل إلى نقطة هامة وفاصلة وهي أن منظري هذا التتويه والتغرير بالعقول لا يمكن أن ينجحوا إلا في بلد تداعت فيه قدرة السلطة الرسمية وأصبحت حبال جذب قناعات الناس تقوم على ترويج التهويل والمبالغة في الغيبيات..
على سبيل المثال في أهمية وجود الدولة القادرة على عزل محاولات التضليل ما فعلته المملكة عندما لم يستطع جهيمان ومهديه المنتظر أن يعيش لأيام.. اختفى بعدها ومعه كل فكره.. ومَنء بالغ في ادعاءات الإصلاح ألزمه حزم الدولة أن يضع مستويات وعي مجتمعه في أي حساب..
مصر التي جرت فيها محاولات كثيرة لتخريب المشاعر الدينية سواء قبطية أو إخوانية تمكنت فيها قدرة الحكومة من ردع تلك المحاولات وهو أمر يقارن بأوضاع العراق ولبنان..
التعليقات