ديفيد كاميرون - فاينانشال تايمز

quot;تأمل صورة اليابان وهي تعاني من الفيضان على مدنها الواقعة على طول سواحلها وتعاني من تلوث مصادر مياهها النقية. وانظر إلى جزيرة سخالين الروسية التي توجد فيها احتياطيات نفط وغاز باعتبارها مصدرا للطاقة (...) وتصور باكستان، الهند، والصين ndash; وكلها دول تملك أسلحة نووية - وهي تتشاحن مع بعضها عبر الحدود حول اللاجئين وحول استغلال الأنهار المشتركة والأراضي الصالحة للزراعة quot;.
ربما يبدو ذلك مثل فقرة في محضر اجتماع لمديرين تنفيذيين في هوليود. لكن في حقيقة الأمر هذه الفقرة مأخوذة من مذكرة للبنتاجون حول الآثار المرتقبة للاحتباس الحراري. فتغير المناخ ليس مشكلة بيئية فقط، بل ربما تكون له آثار ضخمة على الأمن الدولي.
من المحتمل أن يعاني الناس في الدول النامية في العالم من أكثر من غيرهم، لأن تغير المناخ سيجعل الموارد التي يعتمدون عليها أكثر شحاً: المياه العذبة، الأراضي الزراعية، الغابات، ومصائد الأسماك. وسيترتب على ذلك نتائج وخيمة على البشرية. وتتكهن quot;أوكسفامquot; بأن 30 مليون شخص ربما يتعرضون لخطر المجاعة بسبب ارتفاع حرارة الكرة الأرضية. ومع زيادة المجاعة تتوقع زيادة الأمراض.
والحاجة إلى الموارد الأساسية ربما تؤدي إلى تأجيج التوترات داخل الدول. ورأينا ذلك يحدث بالفعل: التغيير الذي حدث في معدلات هطول الأمطار كان أحد العوامل التي أسهمت في الصراع في دارفور، حيث دفع ذلك الرحل من الرعاة إلى مزاحمة الزرّاع المستقرين. ومن السهل أن تتحول مثل هذه الصراعات على الموارد داخل الدول إلى صراعات بين الدول سواء مباشرةً من خلال الصدامات بين الحكومات على الموارد، مثل الأنهار المشتركة، أو بطريق غير مباشر من خلال الضغط الذي يشكله اللاجئون الذين يجتازون الحدود.
ومما لا شك فيه أن تغير المناخ لا يقتصر فقط على تغيير حياة البشر. فتدهور البيئة الذي يزحف على كوكبنا يؤدي بالفعل إلى نزوح عشرة ملايين شخص سنويا، وربما يرتفع العدد إلى 50 مليونا بحلول عام 2010. ومثل هذه التحركات ستكون لها آثار هائلة على الهجرة على نطاق العالم.
وستكون لتغير المناخ آثار عميقة على الدول المتقدمة والاقتصادات الناشئة في آن معا. فاقتصاد الصين يعتمد على الأنهار الجليدية في جبال الهملايا لتغذية الأنهار جنوبي البلاد. لكن ارتفاع درجة الحرارة أصبح الآن يتسبب في ذوبان هذه الأنهار الجليدية بمعدلات تدعو للقلق.
وفي أمريكا حوّل إعصار كاترينا نيو أورليانز من مدينة تنعم بالاستقرار والثراء والحيوية إلى أرض خراب خلال أيام معدودة. وفي المملكة المتحدة، الحواجز التي تم إنشاؤها على ضفاف نهر التايمز، وكانت مصممة بحيث تتم تعليتها مرة كل ست سنوات، أصبحت الآن تجري تعليتها ست مرات كل سنة. ويحتاج الأمر إلى فيضان واحد فقط كبير يكلف 59.5 مليار دولار، أي 2 في المائة من إجمالي الناتج المحلي للمملكة المتحدة.
ما يعنيه ذلك بالنسبة لمستوى الحياة لدينا وما يعنيه بالنسبة لقوة المجتمع أمر يثير القلق. لذا ماذا يمكننا أن نفعل؟ هناك إجماع حول تغير المناخ باعتباره ظاهرة بيئية، وهو أمر أشارك فيه الآخرين، يقول إننا بحاجة إلى اتخاذ إجراء لمنع وقوعه، بدلاً من الاكتفاء بمجرد تخفيف آثاره. لكن في الوقت نفسه، يقع على السياسيين واجب الاستعداد لهذه الآثار في شكل أمن محلي ودولي.
اتخاذ إجراء يعني أن المملكة المتحدة بحاجة إلى مشروع قانون حول تغير المناخ، مع تحديد أهداف سنوية ملزمة خاصة بانبعاث الغازات. وفي آخر ثلاثة بيانات أصدرها، تعهد حزب العمال بالالتزام بخفض انبعاث الغازات بحلول عام 2010، لكن العام الماضي تخلى عن ذلك تماماً. والأهداف السنوية فقط، هي التي تجعل قيمة اقتصادية للكربون وتشجعنا على تنويع مصادر الطاقة.
واستخدام المزيد من مصادر الطاقة المتجددة من شأنه أيضاً أن يجعل إمدادات الطاقة التي نحصل عليها أكثر أمناً. ومن المتوقع أن تستورد المملكة المتحدة بحلول عام 2020، 90 في المائة من احتياجاتها من الطاقة من الخارج، ما يتركنا عرضة للضغوط السياسية. وخفض اعتمادنا على النفط والغاز يساعدنا على محاربة تغير المناخ ويقوي أمننا.
وإظهار القيادة محلياً يبني الثقة اللازمة للحصول على موافقة دبلوماسية في الخارج. والمتشككون الذي يجادلون بأن الدول مثل الصين والولايات المتحدة لن تتفق مع الآخرين مطلقاً، يسيئون فهم الأوضاع ولا يدركون كيف أصبح أمن الطاقة يؤثر بالفعل على السياسات الخاصة بهذه الدول.
فالصين، وهي بلد فقير في الموارد، وضعت أخيرا هدفا يتضمن مضاعفة استخدام المصادر البديلة للطاقة. والرئيس جورج بوش وعد العام الماضي بتحقيق زيادة بنسبة 22 في المائة في التمويل الذي تقدمه حكومة الولايات المتحدة للطاقة النظيفة، للمساعدة في القضاء على ما يسميه quot;الإدمان على النفطquot;.
والاستعداد للنتائج المترتبة على تغير المناخ يعني أن علينا أن نعيد تقييم سياساتنا. فنحن بحاجة إلى التركيز بدرجة أكبر على منع تغيير المناخ والتصدي له في الدول النامية في العالم. وعلينا أيضاً ونحن نضع خططنا الخاصة بسياساتنا الدفاعية أن ندرس الأوضاع في المناطق المتوقع أن تحدث فيها صراعات بسبب تغير المناخ.
وفي وقت مبكر يعود إلى عام 1971، جادل ريتشارد فولك بأن تغير المناخ مسألة أمنية، وأوضح الخطوط العريضة لمشروعه الذي سماه quot;أول قانون للسياسات البيئةquot;: كلما كانت وتيرة التغيير سريعاً كان الوقت قصيرا للتكيف، وكان التأثير أكثر خطورةً. الكون انتظر 36 عاماً، ولن يتحمل الانتظار أطول من ذلك.

الكاتب هو زعيم حرب المحافظين في المملكة المتحدة.