أمير طاهري
هل أصبحت باكستان ساحة معركة جديدة للحرب على الإرهاب؟
لم يعد هذا السؤال نظريا إذا أخذنا في الاعتبار تزايد الهجمات الإرهابية في الآونة الأخيرة، بما في ذلك ستة تفجيرات انتحارية على الأقل خلال الأسبوعين الماضيين.
يضاف إلى ذلك، أن ثمة تقارير تشير إلى أن جماعات مسلحة تستخدم اسم laquo;طالبان الباكستانيةraquo; لتنفّذ عمليات خارج المخبأ التقليدي لها في مناطق القبائل في وزيرستان. وبما أن باكستان قد نشرت مسبقا قوات قوامها 70000 جندي وضابط في وزيرستان لاحتواء الإرهابيين، بات من الواضح أن ثمة حاجة الآن لموارد أكثر، سواء كان في مجال القوة البشرية أو السلاح، بغرض مواجهة حملة إرهابية في البلاد.
بعض المحللين يوجه اللوم إلى السياسة غير الحاسمة للرئيس برويز مشرّف في مواجهة حركة طالبان، إذ ينظرون إليها كخطر يتهدد نظامه.
إسلام أباد من جانبها كانت قد توصلت في سبتمبر (ايلول) الماضي إلى اتفاق مع laquo;طالبان الباكستانيةraquo; على أمل تهدئة بعض عناصرها على الأقل. إلا أن هذه الخطوة أفرزت نتائج عكسية. فقد صدرت بعد الاتفاق مباشرة فتاوى من رجال دين متطرفين يدعون إلى laquo;الجهادraquo; ضد نظام مشرف. ويرى بعض المحللين أن الحكومة الباكستانية لم تتخذ الإجراءات اللازمة ضد رجال الدين الذين أصدروا تلك الفتاوى.
ثم أصبح الوضع أكثر سوءا عند ظهور مجموعة طالبان laquo;حقيقيةraquo; جديدة بقيادة حاجي عمر في الساحة لتهاجم الاتفاق كونه من عمل laquo;المجاهدين المتقاعسينraquo;. وادعى الحاجي عمر، وهو صاحب سجل إجرامي في دبي وبيشاور، انه حلقة وصل بين حركة طالبان الأفغانية وبقايا laquo;القاعدةraquo;. إلا أن هذا المدعي لا يواجه مشكلة في ما يبدو في التواجد في مدينة وانا بمنطقة وزيرستان، التي من المفترض أن تكون خاضعة لسيطرة الجيش الباكستاني.
ترى، هل يلعب مشرّف لعبة مزدوجة بالتظاهر باتخاذ موقف متشدد ضد laquo;الأفغان العربraquo;، والتعامل برفق مع المجاهدين الأفغان والباكستانيين؟
الإجابة: نعم ولا.
مشرّف ليس متعاطفا مع الإرهابيين الذين يستخدمون الدين كايديولوجية، لكنه يأمل في نفس الوقت في استمرار طالبان لاستخدامها كورقة ضغط في أفغانستان عقب مغادرة الولايات المتحدة وحلفائها. وهذا، بدوره، يجعل من المستحيل على مشرّف اتخاذ إجراءات مشددة ضد طالبان الباكستانية التي تشكل العمود الفقري لدعم بقايا جيش الملا محمد عمر في أفغانستان.
قد تكون حسابات مشرف منطقية ضمن سياق لعبة الصراع التي شملت استخدام رؤساء القبائل والزعماء الدينيين باعتبارهم قطع شطرنج ضد خصوم حقيقيين أو افتراضيين. وهذا الحساب لا يحمل أي معنى ضمن سياق استراتيجية مشرف البعيدة المدى.
فما هي تلك الاستراتيجية إذن؟
كما أفهمها، يأمل مشرف ضمان عمق جيو-سياسي داخل أفغانستان ووسط آسيا وتحويل بلده إلى آصرة مهمة على المستوى التجاري العالمي. ولتحقيق ذلك قام بإزالة التوتر حول كشمير وبذلك حرر بلده من أن تكون رهينة لنزاع محدود بينما تتم تقوية الأواصر التقليدية مع الصين. وتمكن مشرف من تجديد التحالف مع الغرب بقيادة الولايات المتحدة ووسع العلاقات التي تربطه بالقوى العربية في المنطقة.
وجوهر هذه الاستراتيجية يتمثل في خطة لتطوير غاوادار المتخلفة لتحويلها إلى أعظم ميناء آسيوي على بحر العرب.
سيكون الميناء رابطا بروسيا وكازخستان ووسط آسيا وأفغانستان عبر خط حديدي يوصل إلى المحيط الهندي. وسيكون النقطة النهائية لأنابيب الغاز والنفط القادمة من منطقة بحر قزوين إلى السوق العالمية.
على مشرف أن يعرف أن استراتيجية بهذا الطموح لا يمكنها أن تنجح إذا كان شخص مثل ملا عمر يحكم في كابل. والطريقة الوحيدة لنجاح استراتيجية من هذا النوع هو أن يكون في باكستان وأفغانستان نظام تعددي وقريب للغرب، وقادر على جلب رؤوس الأموال والتكنولوجية لبناء البنية التحتية ، فيصبح العنصر التجاري مربحا.
ففي الوقت الذي حاول أن يبقي طالبان طليقة ، راح يربت على ظهر أمثالهم في باكستان، بينما استخدم مشرف القبضة الحديدية ضد البلوش في باكستان. ففي أغسطس الماضي تم قتل المسن نواب أكبر خان بوغتي رئيس التمرد البلوشي الذي بدأ منذ الستينات من القرن الماضي، بغارة جوية على بيته، ويبدو الإجراء بأنه قتل مستهدف. ويأتي التخلص من بوغتي الذي يعد قوميا يساريا. وكل هذا لن يؤدي إلا إلى تقوية الإسلاميين المتطرفين الذين فشلوا حتى الآن في التوسع داخل بلوشستان.
كذلك لم ينه قتل بوغتي التمرد هناك. فما زال رجال القبائل المسلحون الذين يقودهم نواب خير بخش القوات الحكومية في منطقة كوهلو. كذلك عادت قبيلتان كانتا متمردتين إلى القتال، وهما بينزينجو ومانغال.
وبدلا من الاعتراف بخطأ سياسة اليد الحديدية، فإن إسلام اباد تحاول تحميل جماعات خارجية مسؤولية ازدياد التوتر. فإيران مسؤولة لأنها لا تريد مد خط أنابيب بحر قزوين لنقل النفط خارج أراضيها. ودبي مسؤولة لأنها من المفروض أن تخشى ضياع وضعها باعتبارها ميناء المنطقة الرئيسي لحساب غاوادر.
وحتى إذا كانت إيران ودبي وراء التمرد في بلوشستان، وهو أمر غير محتمل، فإن التوتر الحالي يرجع إلى تناقضات سياسة مشرف.
ولا يمكن النظر إلى استراتيجية مشرف الكبرى نظرة جدية بدون القاعدة العرضية لباكستان الجديدة. وهو يتطلب رفع الحظر على التيارات السياسية الأساسية في باكستان، بما في ذلك حزب الشعب والرابطة الإسلامية.
ما تحتاج اليه باكستان هو جبهة وطنية موحدة من الأحزاب السياسية والقوات المسلحة الباكستانية ضد الإرهاب والتطرف تحت أي اسم. مثل هذه الجبهة لا تحتاج إلى مغازلة الملا عمر ولا رشوة حاجي عمر أو معاملة بلوشستان كمنطقة حرب ، فيما يمكن للجماعات الجهادية الراديكالية والانفصاليين البولوش الازدهار في ظل نظام شمولي، ولكنها ستتلاشى في ظل حكومة شعبية.
ومن المتوقع أن تعقد باكستان انتخابات عامة قبل نهاية هذا العام، الأمر الذي سيقدم فرصة ممتازة لإلغاء الحظر على الأحزاب السياسية، والشخصيات السياسية، والسماح بتبلور صورة دقيقة عن الرأي العام الباكستاني.
وللأسف، لم تظهر أية إشارة على مثل هذا التوجه، بل على العكس، توجد سياسة ترهيب ، بل والقضاء على النشطاء السياسيين غير الدينيين. فقد laquo;اختفىraquo; أكثر من 400 ناشط سياسي في ظروف تذكرك بالأرجنتين وتشيلي تحت حكم الديكتاتورية ، فيما تم اغتيال 6 من المسؤولين المحليين في حزب الشعب وتلقى العديد تهديدات بالقتل.
وعندما اجبر مشرف على الوصول إلى قمة السلطة قبل 8 سنوات، كان العديد يعتبرونه حاكما مؤقتا. ولكنه اثبت أن مثل هذه التكهنات خاطئة. وبالرغم من ذلك، من الواضح انه في حاجة إلى تغير التكتيكات، ويمكنه أن يحقق الأفضل، بل ويجب عليه ذلك.
التعليقات