سمير عطا الله

افتقدنا في laquo;الجنادريةraquo; هذا العام ذلك اللقاء التقليدي مع laquo;حاطب الليلraquo; ومؤرخ الصحراء. فقد اقعد عتي العمر صاحب القامة العملاقة وأحد أواخر رفاق الملك عبد العزيز، الشيخ عبد العزيز التويجري، وبذلك فقدت laquo;الجنادريةraquo; ذلك الفصل المعرفي الموسوعي من برنامجها. وما كان الشيخ التويجري laquo;حاطب ليل ضجرraquo; كما سمى نفسه تواضعاً، بل كان حاصد نهار نضر، تألقت في دفاتره ويومياته أضواء التاريخ، وتلألأت مصابيح الصدق والدقة في شهاداته، التي تحولت إلى كتب، التي تحولت إلى وثائق يمكن اعتبارها التدوين العربي لتلك المرحلة من تاريخ الجزيرة وسيرة سيدها وموحدها.

لقد كتب المستشرقون والباحثون والمختصون الأجانب تاريخ الجزيرة الحديث. ووضع الديبلوماسيون والسفراء آلاف الوثائق. وظل المؤرخ العربي شبه غائب. وعندما قرر الشيخ عبد العزيز التويجري أن يكتب من فصول ذلك التاريخ ما كان شاهدا عليه، كانت ميزته الأولى في كونه شاهداً ومشاركاً من قلب الجزيرة.

لكن الشاهد المدون تفوق على نفسه عندما شرح لقراء المرحلة وباحثيها، الأسباب والدوافع والعناصر التي كانت تشكل سياسة الملك عبد العزيز، وكانت تشكل رؤيته لبناء الدولة وما يحيط بها من قوى متصارعة في المنطقة. كلما أجيء إلى الرياض امضي من الوقت ما أمكن مع الشيخ جميل الحجيلان. وقد أخذني هذه المرة في جولة على أسوار وآثار laquo;الدرعيةraquo;، التي كانت حاضرة الملك عبد العزيز. وقال لي انك تكتب دائماً عن laquo;وادي حنيفةraquo; الذي دخله مشاهير الرحالة، وآن لك أن تراه في فصل الشتاء. وإذ تأملت المكان الذي انطلق منه عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود ليبني هذه الدولة المترامية، قلت للشيخ جميل laquo;لن تعطي مئات الكتب ذلك الرجل بعض حقه على التاريخraquo;.

لكن عبد العزيز التويجري أعطى التاريخ تلك الصورة التي لم يستطع أن يقدمها الباحثون والمؤرخون. أعطاه ملامح الصورة البشرية لعبقري من الصحراء، اعتلى حصانه وراح يرسم في الربع الخالي وفي الصحارى والبوادي والواحات، أول دولة موحدة. ولم تكن في يده خريطة ولا معه بوصلة، بل كانت تتوقد فيه تلك الجذوات النادرة التي يعرفها قلائل من صناع التاريخ ومنشئي الأمم.

ومن يقرأ عبد العزيز التويجري مؤرخاً يدرك شيئاً من سر الملك المؤسس. وسره الأكبر في الحكم لم يكن في شجاعته الأسطورية ولا في بسالته ولا في قوته. لقد كان رجلا عادلا قبل أي شيء.

والعدل تسامح قبل القوة. وإدراك لحقوق الآخرين. ورقابة على واجباتهم حيال بعضهم البعض.