الخميس 22 فبراير 2007

آدام شاتز


عندما أشارت إدارة الرئيس بوش إلى توفر معلومات استخباراتية استقتها من مصادر رفضت الكشف عنها تفيد بوجود عدو بالغ الخطورة في الشرق الأوسط، أبدت وسائل الإعلام، هذه المرة، الكثير من التشكك. فلكي تفتدي نفسها من الخطأ الفادح الذي ارتكبته بانسياقها وراء مزاعم الإدارة الأميركية بشأن امتلاك صدام حسين لأسلحة الدمار الشامل وصلته المزعومة بتنظيم quot;القاعدةquot;، تحرص وسائل الإعلام ألا تتعرض للخداع مجدداً من قبل الإدارة الأميركية التي يبدو أنها بصدد تهييء الأجواء لحرب أخرى محتملة ضد إيران. لكن حتى مع إثارة الصحفيين لأسئلتهم المشروعة حول مصداقية المعلومات الاستخباراتية، والدافع وراء إطلاقها في هذا الوقت، إلا أنهم فشلوا في المضي بتشككهم قدماً لفحص ومساءلة الأساس الذي تقوم عليه مزاعم إدارة بوش في الحالة الإيرانية: وهو أن الدور الإيراني في العراق تجاوز الحدود.
ولنأخذ مثلاً الافتتاحية التي نشرتها quot;نيويورك تايمزquot; يوم 13 فبراير الماضي بعنوان quot;إيران وقارئو المعلومات الاستخباراتيةquot;. فبينما طلبت الصحيفة من الرئيس بوش quot;توضيح نواياه تجاه إيرانquot;، وحذرت من مغبة الدخول في quot;حرب كارثية أخرىquot;، ثم تساءلت عن سبب إعلان الإدارة الأميركية في وقت سابق ضلوع القيادة الإيرانية في تزويد الميلشيات العراقية بالقنابل المضادة للدروع، ثم سحب ذلك لاحقاً، إلا أنها أضافت قائلة quot;لا يوجد شك في النوايا الخبيثة لإيران لأنها مازالت تتحدى قرار مجلس الأمن الذي ينص على وقف أنشطتها النووية، فضلاً عن تدخلها السافر في العراقquot;. وقبل مناقشة كيفية تناول الإعلام الأميركي للموضوع الإيراني، لابد من أن أوضح أولاً أن الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد بإنكاره للهولوكوست وبتصريحاته النارية فهو يعكس صورة سلبية للغاية عن بلده. ومع ذلك هل يحق لنا وصف الانخراط الإيراني في العراق على أنه quot;خبيثquot;، أو بأنه نوع من quot;التدخلquot; في الشؤون العراقية؟
وإذا كانت إيران ترغب في قيام حكومة عراقية موالية لها فهي بالتأكيد لا تفتقد العقلانية. فخلافاً للولايات المتحدة، تعرضت إيران لهجوم سابق شنه عليها العراق عندما كان نظام صدام حسين يحظى بدعم أميركي ويسعى إلى إسقاط ثورة آية الله الخميني. وفي تلك الحرب الطويلة التي امتدت من 1980 إلى 1988 لقي مئات الآلاف من الإيرانيين حتفهم عندما لجأ صدام حسين إلى استخدام الغاز السام ضد الجنود الإيرانيين. فليس غربياً إذن أن تسعى إيران إلى ضمان عدم قيام حكومة عراقية قد تشكل تهديداً على أمنها في المستقبل. لذا لم تخفِ إيران ابتهاجها عند سقوط صدام حسين، لكنها في الوقت نفسه رفضت التنازل التام عن العراق لصالح النفوذ الأميركي.
إلى ذلك تعتبر إيران نفسها حامية المصالح الشيعية في المنطقة، وهي باعتبارها كذلك ينظر إليها من قبل الشيعة بنظرة تنطوي على الامتنان والحذر في آن معاً بدءاً من شيعة الخليج وانتهاء بشيعة لبنان وباكستان. ويُرجح في هذا الإطار أن تكون الحكومة العراقية أكثر شبهاً إلى النظام الإسلامي في إيران من الديمقراطية الليبرالية التي تدعو إليها إدارة الرئيس بوش، أو فكرة quot;الصدامية بدون صدامquot; التي ساندها سراً العديد من مؤيدي غزو العراق. فإذا كان دعم إيران لحلفائها الشيعة في العراق وتعزيز نفوذهم لا يروق لواشنطن، فإن وصفه بـquot;التدخلquot; بالكاد يتفهم مصالح إيران في العراق. ولابد عند التفكير في السلوك الإيراني أن نتذكر التعهد الأميركي بتحجيم النفوذ الإيراني في المنطقة، واستخدام القوة العسكرية في سبيل ذلك. وبالنسبة لإيران تعتبر أميركا عدواً بالغ الخطورة رفض العديد من محاولات الانفتاح الدبلوماسي.
فكما ذكر ذلك quot;جاريث بورترquot; في مجلة quot;أميركان بروسبكتquot; تقدمت إيران بمقترح في مايو 2003 بعيد سقوط بغداد لعقد quot;صفقة كبرىquot; مع الولايات المتحدة. فقد اقترحت تأييد مبادرة السلام العربية التي تنص على حل الدولتين الفلسطينية والإسرائيلية وإنهاء دعمها العسكري للفصائل الفلسطينية المسلحة، وquot;حزب اللهquot; مقابل عودة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين. لكن إدارة الرئيس بوش التي خرجت منتصرة في حربها ضد صدام حسين تجاهلت المقترحات الإيرانية وتعالت عليها، ومنذ ذلك الوقت وهي ترسل الإشارات بأنها لن تقبل بأقل من تغيير النظام، بدل الدخول في حوار مع طهران كما أوصت بذلك quot;مجموعة دراسة العراقquot;. وبالنظر إلى موقف إدارة الرئيس بوش العدائي ربما تكون الحكومة الإيرانية قد خلصت إلى أنه، بعد إعدام صدام حسين وصعود الأحزاب الشيعية إلى السلطة، فإنه من الأفضل للمصلحة الإيرانية العمل على جلاء القوات الأميركية من حدودها الغربية، أو على الأقل دفع الولايات المتحدة للغوص عميقاً في المستنقع العراقي لصرف انتباهها عن برنامجها النووي، فضلاً عن تذكيرها بأنها في حاجة لإيران من أجل تأمين خروج مشرف لقواتها، وبعبارة أخرى تملك إيران ما يكفي من الدوافع القوية للانخراط في العراق.