الثلاثاء 27 فبراير 2007
د. أحمد البغدادي
بدأ العد التنازلي لتحويل إمارة أبوظبي, عاصمة دولة الإمارات العربية المتحدة، إلى إمارة ثقافية من خلال إقامة أفرع لمتحف اللوفر الباريسي الشهير, ومتحف جونجهام، فضلاً عن إقامة بعض المتاحف الجديدة, ومعارض الرسم وغير ذلك من فنون, في ظاهرة ملفتة للنظر باهتمام رسمي بالثقافة, خاصة الفنية, كسياسة استراتيجية متوقع لها أن تستمر في النمو خلال السنوات القادمة. والسؤال: هل من المتوقع نجاح هذه السياسة الجميلة في عالم عربي لا يهتم بالجمال الفني ولا بالفنون الجميلة, سواء بسبب المحظور الديني, أو التخلف الحضاري الفني الذي تتسم به الحياة العربية بشكل عام؟ بمعنى آخر, هل يمكن إقناع الناس بأهمية الثقافة الفنية ولو عن طريق الإكراه الرسمي؟
لنقرر أولاً أن الثقافة وخاصة فيما يتصل بالفنون الجميلة من رسم ونحت وموسيقى ليست من صميم اهتمامات الشخصية العربية على المستويين العام والخاص. بمعنى أنه لا الدولة العربية ولا الأفراد لديهم الإحساس الداخلي الذاتي بأهمية الفنون كأسلوب حياة حضاري, والأدلة على هذه الحقيقة المؤلمة كثيرة, من جهة انعدام وجود الحدائق الجميلة, والمتاحف الراقية مقارنة مع ما هو موجود في أوروبا كمتحف اللوفر بباريس والمتحف البريطاني, وحديقة الهايدبارك البريطانية الشهيرة أو الحدائق الأوروبية بشكل عام. فالبلاد العربية مجموعة من البلدان القبيحة جداً, برغم الثراء في المال والتربة الزراعية والمياه في العواصم العربية. ويضاف إلى هذا كله عدم اهتمام الإنسان العربي بشكل عام بالمتاحف والفنون حين يذهب إلى أوروبا كسائح. ومن الواضح أن التفسير المقبول والمنطقي لهذا التخلف الحضاري يعود إلى كون الشعوب العربية ذات تراث لا يتساوق مع هذه الفنون التي ينال كثيراً منها التحريم الديني أحياناً والرفض الاجتماعي أحياناً أخرى. فالإنسان العربي يمثل تلك الشخصية الفاقدة للحس الإنساني بالجمال والفنون.
وتدفعنا محاولة أبوظبي لتحويل هذه الإمارة إلى واحة فنية, في مساحة شاسعة من صحراء عربية جافة فنياً, إلى التساؤل عن جدوى هذا الاهتمام في قضية شبه ميئوس منها من الناحية الفنية؟ وهل من الممكن إكراه الناس على التذوق الفني لنشاط إنساني لا محل له من الإعراب في حياتهم اليومية؟ وإذا ما تركنا السعي الحكومي لإبقاء هذا النشاط حياً على أرض الواقع, والذي سيكلف حكومة دولة الإمارات ملايين الدولارات, هل من الممكن لهذا الجهد أن يستوي على سوقه يوماً ما؟ أنا شخصياً متشائم وشبه يائس من الوضع العربي إجمالاً، وأعتقد أن هذا المشروع لن يلاقي النجاح المطلوب محلياً, لكن هذه المحاولة تستحق الإشادة والتقدير, ذلك أنه من الأفضل صرف الأموال على مثل هذه المتاحف بدلاً من تضييعها على أنشطة لا يستفيد منها الإنسان حضارياً, ولاشك أن وجود هذا الاستنساخ الحضاري سيكون مفيداً للأجيال القادمة من الشباب إذا ما تم استغلال التعليم لغرس بذور الروح الفنية لدى الأطفال والشباب, بمعنى أنه لابد من أن تكون زيارة هذه المتاحف موضوعاً مفروضاً على الأطفال والشباب لكي يعتادوا التفاعل مع هذه الفنون.
إن تجربة أبوظبي تستحق الإشادة والتشجيع, حتى يظل الأمل مزدهراً كشمعة تبدد ظلام التخلف الحضاري الذي يعيشه العالم العربي اليوم.
التعليقات