مأمون فندي

هو الإِمام الحافظ شيخ الإسلام محيي الدين أبو زكريا يحيى بن شرف بن مري بن حسن بن حسين بن محمد بن جمعة بن حزام، النووي نسبة إلى نوى، وهي قرية من قرى حوران في سورية، ولد عام 1233. وهو عالم ناصح مخلص في مناصحته، وليس له أي غرض خاص أو مصلحة شخصية، وشجاع لا يخشى في الحق لومة لائم، وكان يملك زمام البيان والحجة. وكان يلجأ إليه الناس في الملمات والخطوب ويستفتونه، فكان يقبل عليهم ويسعى لحل مشكلاتهم.
أما بعد، فليس laquo;الإمام النوويraquo;، الذي سأتحدث عنه اليوم، إنما ذكرته للتبيان وعدم الخلط.. laquo;الإمام النوويraquo;، الذي يهمني في هذا المقام، هو مرشد الثورة الإسلامية، آية الله علي خامنئي، النووي هنا نسبة إلى قنبلة إيران النووية، وليس إلى منطقة نوى السورية، (على الرغم من التحالف السوري ـ الإيراني).

ولكن إلى أي مدى laquo;الإمام النوويraquo;، نووي حقا؟ هل لدى إيران بالفعل النية لأن تكون دولة نووية، وتكون مصدر إشعاع، بالطبع، إشعاع نووي لا إسلامي؟

عندما أصدر مجلس الأمن يوم 23 ديسمبر 2006، قراره رقم 1737 بالإجماع التام، الذي يهدف إلى فرض عقوبات على إيران إن لم تعلق أنشطتها في تخصيب اليورانيوم، كان رد الفعل الإيراني هو أنه قرار laquo;بلا قيمةraquo;، وأنه ليس أكثر من laquo;قطعة من الورقraquo;. لكن ما أثار قلق المجتمع الدولي وملأ شاشات التلفزة، هو إعلان إيران أنه سيتم تركيب ثلاثة آلاف جهاز طرد مركزي جديد في منشأة ناتانز. وبالفعل، أبلغت ايران الوكالة الدولية للطاقة الذرية عزمها على وضع ثماني عشرة وحدة، تتكون كل منها من 164 جهاز طرد مركزي، أي بمجموع يقارب ثلاثة آلاف جهاز طرد مركزي.

الرقم الذي ادعت إيران أنها تمتلكه، هو أقل بكثير من الرقم الذي تعرفه الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وتعرفه كذلك المعاهد والمؤسسات الدولية الاستراتيجية، والذي لا يتجاوز 164 جهاز طرد مركزي، أي ما يشكل وحدة واحدة فقط لإنتاج الماء الثقيل (One Unit).

إيران، بالطبع، لم تكن ساذجة عندما ادعت أنها تمتلك ثلاثة آلاف جهاز طرد مركزيا، أي ما يعادل ثماني عشرة وحدة، فهذا كاف لكي تستطيع تخصيب كمية من اليورانيوم قادرة على إنتاج قنبلة نووية. ولكن عملية التخصيب هذه معقدة للغاية، وسأحاول هنا تبسيطها من خلال نتائج دراسات اطلعت عليها بحكم عملي في المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية في لندن.

يحتوي اليورانيوم العادي في المناجم على 0.7% من الـ U235 ايزوتوب، أما البقية العادية فهي تمثل U238 نسبة الـ 0.7% هي التي تستخدم في التخصيب. عملية التخصيب هي محاولة رفع الـU235 إلى نسبة 5% بدلا من 0.7%، وهذا ما تحتاجه المفاعلات الحديثة. ويتم التخصيب إما عن طريق جهاز طرد مركزي، أو عن طريق التجميع الداخلي. وهي محاولة لعزل، على الأقل 85% من الـU238 النقي عن طريق إدخال الهكسا فلورايد في طريقين ( Streams 2 )، طريق يتم فيه تخصيب اليورانيوم، والطريق الآخر يتم فيه التنضيب. بعد الوصول إلى مستوى التخصيب اللازم، يوضع اليورانيوم المخصب في مراكز الطرد للحصول على تركيز U235 بنسبة 5%.

آخر إعلان إيراني ذكر أن درجة النقاوة التي توصلوا إليها لـU235 هي 35%، أي أقل بكثير من النسبة المطلوبة (85%)، وكذلك لم يتوصل الإيرانيون الى تركيز لـU235 بنسبة أكثر من 3%، أي أقل أيضا من النسبة المطلوبة (5%). وتؤكد دراسات استراتيجية، أن إيران، حتى لو أنها تمتلك حقا (18) وحدة التي أعلنت عنها، فهي غير قادرة في الوقت الحالي، من حيث الخبرة البشرية والتقنية، على تشغيلها في وقت واحد كمرحلة أولى من المراحل المتعددة والمعقدة للوصول إلى اليورانيوم المخصب. إذن، نحن هنا في بازار، يبالغ فيه الإيرانيون حول ما يمتلكونه من تقنية نووية، فيدعون امتلاكهم (18) وحدة لإنتاج الماء الثقيل، لكي يفاوضوا الوسيط الأوروبي، الذي بطبيعة الحال، سيحاول تخفيض الرقم، ولكن مهما خفضه فإنه سيكون أعلى بكثير مما تمتلك إيران حقيقة، وبذا يكون التاجر الشاطر قد ربح في البازار.

في قصة تحرك ايران النووي هناك مجموعة متغيرات داخلية وإقليمية وعالمية تحتاج إلى تفسير أولها زيارة الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد إلى المملكة العربية السعودية، قبل ثلاثة أيام. بعد الزيارة تناقلت وكالات الأنباء إعلان إيران اتفاقها مع مبادرة السلام العربية في بيروت عام 2002، وهذا موقف محمود إن استمر الإيرانيون عليه، وإن صادقه وأكد عليه خامنئي. ومن المتغيرات أيضا، مؤتمر العراق المزمع عقده في بغداد، الذي سيجمع الأميركيين والإيرانيين والسوريين، والأسئلة المصاحبة لهذا المؤتمر، هل هو تغيير في السياسة الأميركية تجاه إيران، وبالتالي تجاه سورية، أم هو مجرد تكتيك لتوريط طهران، وهل سينظر أهل الخليج إلى الحوار الأميركي ـ الإيراني، في إطار أن أميركا تكافئ أعداءها من الدول المتشددة في المنطقة، على حساب دول محور الاعتدال؟

ورقة إيران النووية تهدف إلى الضغط على الولايات المتحدة للقبول بنفوذ إيراني في منطقة الخليج، التي تعتبر هاجس إيران الأساسي. وليس بعيدا عن الذاكرة، كيف كانت جمهورية ايران الاسلامية، في عز ثورتها الخمينية، أول من أجرى اتصالات مع اسرائيل وأميركا ابان الحرب مع العراق، للحصول على أسلحة ومعدات اسرائيلية في إطار صفقة ـ فضيحة، عرفت باسم laquo;ايران ـ غيتraquo;، وكادت تطيح حكم الرئيس رونالد ريغان في أواسط الثمانينات. إذن، عندما شعرت إيران بالتهديد في منطقة الخليج، وهي في أوج عنفوانها الثوري، لم تتردد في عقد صفقات مع إسرائيل لحماية أمنها.. براغماتية عالية يتسم بها الإيرانيون.. فإن كان الخميني (رأس الثورة) لم يتورع عن تحالف مع الشيطانين، (الأصغر والأكبر). فهل سيتورع خامنئي بعد ثلاثين عاما على قيام الثورة الإسلامية في إيران، عن عقد تحالفات حتى مع شياطين البر والماء، إن رأى أنها في صالح تمدد نفوذ إيران في الخليج. مؤتمر العراق القادم في بغداد، قد يكون بداية صفقة أو غطاء سياسي لأكثر من صفقة.

بينما يراقب العالم الإيرانيين في سعيهم الحثيث لزيادة نسبة اليورانيوم المخصب، إلا أن هدف إيران هو زيادة نسبة نفوذها في منطقة الخليج.. إذن، التخصيب النووي الإيراني غاية لتخصيب النفوذ الإيراني في المنطقة، وليس هدفا.