محمد السعدني

سواء كان ذلك بحسن نية أو سوء نية فقد توهم الكثيرون في الفترة الأخيرة أن دور مصر الإقليمي يتراجع لصالح الدور السعودي، خاصة بعد توقيع اتفاق مكة، والكلام الذي يدور حول دور سعودي نافذ في لبنان والعراق، والحقيقة أن واقع الأمر يقول إن الدور المصري مهم ولا ينتقص منه أن السعودية تتحرك في اتجاهات متفق عليها سلفا بين القطبين العربيين الكبيرين، والحقيقة أن مصر مشغولة هذه الأيام بما هو أهم، مشغولة بإعادة بناء البنية الوطنية الأساسية سواء علي مستوي الإصلاحات السياسية أو الاقتصادية، وإعادة هيكلة البناء الاجتماعي،

الحقيقة أن مصر تمر بمرحلة المخاض التي ننتظر جميعا أن تسفر عن ولادة دولة مدنية ديمقراطية حديثة تتعافي من عثرات الماضي وتقود المنطقة كلها بقوة، تقودها ليس رغبة في القيادة وإنما بثقة الآخرين في قدرتها وحكمتها واحتياجهم إلي قوة سياستها واقتصادها وقوة بنيتها الاجتماعية، ولا يضير مصر في مرحلة كهذه أن تترك الآخرين يتصدون لمهام من نوع الأزمات الفلسطينية والعراقية وغيرها.

laquo;١raquo;

في فترة من الفترات العصيبة التي مرت بها مصر كاد نفر من المصريين يكفرون بالعروبة وبالزعامة والريادة التي أودت بمصر إلي غياهب الفقر والعوز، بل إن بعض الأفكار ذهبت إلي أن مصر ليست عربية، بل هي فرعونية وأن انتماءها إلي حوض البحر الأبيض يجب أن يطغي علي انتمائها العربي، ورغم ما في هذه الأفكار من شطط ومغالاة وتطرف،

إلا أنها في النهاية تعبر عن خيبة أمل مصرية في جدوي كل التضحيات البشرية والمادية التي جعلت من الشعب المصري أفقر شعوب المنطقة يتسول المساعدات والهبات ممن كانوا إلي وقت قريب يتلهفون علي الشواطئ في انتظار السفن المصرية المحملة بالمؤن والأغطية، يشعر المصريون بخيبة أمل من هؤلاء الذين دعوا في يوم من الأيام إلي وضع الموازنة المصرية تحت الوصاية!!

laquo;٢raquo;

لا نريد نكء الجراح، ولكن فقط نريد أن نتخفف من أعباء مرحلة تاريخية فرضت علي المصريين فرضا بحكم الموقع والجغرافيا والتاريخ، لكن هذه العوامل جميعها لا يجب أن تكون أطواقاً حول رقابنا تحول دون النظر إلي أنفسنا لبعض الوقت نكتشف وندرس ونحلل، لقد قدمنا إلي القضايا العربية ما لم يقدمه أحد، واستسلمنا لفكرة أن لا شيء يعلو فوق هذه القضايا، وضاعت أحلامنا في العيش الكريم وضاعت مواردنا وتأخر اقتصادنا، كانت هذه القضايا هي سباقاتنا ورهاناتنا الخاسرة التي استنزفت كل شيء، حتي الروح المصرية الحلوة ضاعت.

laquo;٣raquo;

لا مصر تبحث عن الزعامة ولا المصريون يتوقون إلي القيادة في هذه المنطقة من العالم، فقط نريد أن يكون الأمن القومي المصري في أحسن حالاته وأعلي درجاته، وبصراحة هذا أمر لن يكون إلا إذا كانت مصر قوية عسكرياً واقتصادياً، ومتماسكة اجتماعياً وسياسياً، ولكي تكون مصر هكذا لابد من استكمال خطوات وإجراءات البناء الداخلي، وعندما نصل إلي هذه الدرجة سيكون أمننا القومي مصاناً من تلقاء نفسه، وستعود مصر إلي ممارسة دورها الإقليمي بفاعلية حقيقية، الدور الإقليمي ليس مشهداً في مسرحية هزلية، وإنما هو حقيقة معاشة تستمد وجودها من عناصر القوة الذاتية، عناصر القوة التي تجعل الآخرين يعملون ألف حساب قبل أن يقدموا علي أي خطوة أو إجراء يمس المصالح المصرية ولو بنسبة واحد في المليون، عناصر القوة التي تجعل الكلمة المصرية مسموعة ومطاعة.

laquo;٤raquo;

دعونا نبني عناصر القوة الذاتية من دون تفريط في بدهيات ومسلمات الأمن القومي، دعونا نكمل بناء عناصر دولة المؤسسات ودولة القانون، دعونا نستأصل الفساد ومظاهره التي تنهش في البناء المصري، دعونا نكمل حياتنا الديمقراطية السليمة ونقدم للمنطقة القدوة والنموذج، دعونا نعيش فرحة الانتماء لوطن قوي كريم مهاب.

laquo;٥raquo;

وفي لحظات كهذه لا يضير مصر أن تتقدم دولة شقيقة كالسعودية لتؤدي دورها القومي والعروبي، خاصة في ظل قيادة الملك عبدالله بن عبدالعزيز المعروف بميوله العروبية القومية، هناك حقيقة راسخة تقول إن كلاً من مصر والسعودية تمثلان جناحي الأمة العربية، وإن التنسيق المصري السعودي علي أعلي مستوي، وإن ما تقوم به السعودية من تحركات علي الساحتين العربية والإقليمية هو ضمن الاستراتيجية المشتركة بين الدولتين الكبيرتين.

laquo;٦raquo;

مصر القوية الواثقة المتقدمة نحو آفاق المستقبل لا يزعجها أن تتقدم دولة في حجم ووزن السعودية إلي دور عربي أو إقليمي مادام ذلك الدور يدخل في إطار المصلحة العربية الكبري، الدولة المصرية القوية يهمها أن يكون أشقاؤها في نفس درجة القوة لإيمانها الشديد بأن مجموعة القوي العربية هي الضمانة الحقيقية لمستقبل الأجيال القادمة في ظل عالم لا يعترف إلا بالأقوياء.