د. حسن مدن
في الولايات المتحدة، كما في كندا وفرنسا وبريطانيا، كما في بقية الدول الأوروبية تنظم المظاهرات الحاشدة التي تضم عشرات، وأحيانا مئات الألوف من الشباب والنساء وممثلي المنظمات غير الحكومية، الذين يحتجون على سياسات العولمة، خاصة في بعديها الاجتماعي والاقتصادي والتي تؤدي إلى المزيد من إفقار الشغيلة والعمال والموظفين وشرائح واسعة من الطبقات الوسطى، ونقرأ على اللافتات التي تتصدر المظاهرات شعارات من نوع: ldquo;العالم ليس سلعةrdquo;، في تعابير احتجاجية على النهج العام الذي تدفع به العولمة العالم، والذي يجري فيه تسليع كل شيء، وفتح أبواب كل البلدان أمام تدفق السلع، ما يعني عمليا إزالة كافة أشكال الحماية للصناعات والمنتجات الوطنية.
أول ما يخطر على البال حين رؤية المشاهد المصورة لتلك المظاهرات، هم أولئك بعض العرب الذين يُنظِّرون، بضم الياء وكسر الظاء، للعولمة كما لو كانت طبخت في بيوتهم، أو يكيلون لها المديح كما لو كانت جنة أخرى على الأرض، ذلك أن من يتظاهرون في الولايات المتحدة أو فرنسا أو سواهما من البلدان ضد هذا الوجه تحديداً من العولمة، إنما ينتسبون إلى تلك البلدان التي تشكل روافع لهذه العملية المعقدة والمتناقضة، وفي عبارة أوضح ينتسبون إلى تلك البلدان التي ستربح من وراء هذه العولمة التي ليست في الجوهر سوى رأسمالية متجددة، رأسمالية القرن الحادي والعشرين، التي تعني كما عنت سابقاتها المزيد من الفقر والحرمان لشعوب البلدان الفقيرة، أو كما تسمى أحيانا في لغة مهذبة: البلدان الأقل نموا، وهي نفسها الرأسمالية التي ستعني المزيد من الاستقطاب الحاد والعميق بين شريحة محدودة تمثلها الشركات عابرة القوميات، وبين غالبية شعوب العالم التي ستعاني، كما عانت سابقا من الإفقار واستنزاف الثروات.
متظاهرو العواصم والمدن الغربية يمثلون كتلة نوعية، لأنهم ينشطون باسم منظمات جماهيرية واسعة تحتج على تركيز الثروة في أيدي أقلية من الأثرياء، فيما يتفشى الفقر في صفوف أغلبية سكان الأرض، لكن الأمر لا يقف عند حدود منظمات المجتمع المدني، وإنما يصل إلى حدود موقف الحكومات، ففرنسا على سبيل المثال تدعو إلى اعتماد ldquo;ميثاق للعولمةrdquo; يخفف من غلواء القسمة غير العادلة، ويؤمن استراتيجية مشتركة للتنمية المتبادلة واعتماد قواعد عادلة في حقل التجارة. وهناك من يشكك في شعارات تطلق بين الحين والآخر عن ldquo;عولمة ذات وجه إنسانيrdquo; ويعتبرها مجرد محاولة للتستر على الوجه غير الإنساني لهذه العولمة، التي ألحقت الضرر بالبيئة والتنمية المتوازنة وقواعد العمل وحقوق الإنسان، فضلا عن معاداتها للديمقراطية والشفافية السياسية.
يرى الكاتب المصري جميل مطر ان العولمة فشلت في الأمر الأساسي، أي في أن تكون عولمة. برأيه أن العولمة لم تتعولم بعد، لأنه إذا استثنينا المستفيدين منها في الدول الصناعية الكبرى والشرائح المتعولمة في البلدان النامية، فإن غالبية سكان الكوكب لا يزالون خارج منافع هذه العولمة، أو انهم بالأحرى ضحايا لها، وربما يبقون كذلك.
التعليقات