سميح صعب
يفترض ان تبدأ في العراق مرحلة جديدة مع جلوس ممثلين عن الولايات المتحدة وسوريا وايران ودول الجوار العراقي معاً الى طاولة واحدة. فهذا الامر لم يكن متصوراً قبل أربعة أعوام أو أقل، يوم غزا الجيش الاميركي بسرعة قياسية العراق وخلع نظام صدام حسين وبدأ يلوّح بتغيير كل الانظمة في المنطقة. غير ان الوقائع سارت عكس ما تمنت ادارة بوش التي وجدت نفسها تغرق في مستنقع ربما أسوأ بكثير من مستنقع فيتنام.
بعد أربعة أعوام من الغزو تفتش الولايات المتحدة عمن ينقذها من مغامرتها العراقية، الى حد انها رهنت كل قضايا المنطقة من فلسطين الى لبنان فإيران بتطورات بالملف العراقي، من دون كثير التفات الى ما يقوله زعماء عرب معتدلون من ان السلام في المنطقة يمر عبر فلسطين وليس عبر العراق.
ولم يعد خافيا ان بوش نفسه لم يعد واثقا بـquot;النصرquot; في العراق كما كان قبل اربعة اعوام، بل بات يبحث عن استراتيجية الخروج بما يحفظ ماء الوجه لاميركا اكثر من تحقيق الاهداف التي وضعها نصب عينيه في بداية الغزو.
ولعل تآكل الثقة لدى بوش مرده في الدرجة الاولى الى الاخفاق في تحقيق ما كان ينادي به باستثناء اسقاط النظام العراقي السابق، اما عملية بناء دولة عراقية جديدة فلا تزال تحول دونه عقبات، في الوقت الذي يجري البحث عن طريقة لوقف الصراع المذهبي الذي لا يهدد بتفتيت العراق فحسب وإنما المنطقة بكاملها.
واين بوش اليوم من تلك الثقة بالنفس التي جعلته يوافق على قرار وزير دفاعه خلال الحرب دونالد رامسفيلد حل الجيش العراقي وكل مؤسسات الدولة والبدء من خيار الصفر في اعادة البناء؟
اليوم كل الدعوات الاميركية تركز على المصالحة، والحكومة العراقية تجتمع بضباط الجيش المنحل عارضة عليهم المصالحة، والقائد الجديد للقوات الاميركية في العراق الجنرال ديفيد بيترايوس يؤكد عشية مؤتمر بغداد ان الحل السياسي هو الخيار الوحيد في العراق، والمستشار الرئيسي لوزيرة الخارجية الاميركية ديفيد ساترفيلد يعلن انه لا يمانع في التحدث ثنائيا مع سوريا او ايران اذا ما كان هذا الحديث يتعلق بالعراق تحديدا.
هذه مواقف لم تكن متخيلة قبل اربعة اعوام في ظل النشوة الاميركية بالانتصار العسكري السهل. اليوم الواقع مختلف كليا، وما كان من المحرمات الاميركية بات وسيلة للانقاذ من المستنقع، ولاسيما ان المناخ الاميركي الداخلي يثقل كاهل بوش الى الحد الذي يتمسك الآن بالمؤتمرين الاقليميين المقررين للعراق وبالتلويح باحتمال التحدث المباشر الى سوريا وايران.
وهذا يشير الى تغيير في المسار من دون الاعلان عن هذا التغيير، وهو يصل الى حد الاخذ بتوصيات مجموعة بايكر ndash; هاملتون من دون الاقرار علنا بانه جار الاخذ بها، ولاسيما بعدما باتت هذه التوصيات السلم التي ستتيح للولايات المتحدة النزول من الشجرة.
ومع بوادر تغيير المسار في العراق، لا يُخفى صراع الآراء داخل الادارة الاميركية بين من يميلون الى الاستمرار في النهج القديم، واولئك الداعمين للتغيير. وفي ادانة القضاء الاميركي للمدير السابق نائب الرئيس الاميركي ديك تشيني في قضية تسريب اسم العميلة السابقة في الـquot;سي آي إيquot; فاليري بلايم الى وسائل الاعلام انتقاما من زوجها جوزف ويلسون المعارض لحرب العراق، اكثر من دلالة.
ولا يمكن الا ملاحظة ان دعاة الحرب في الولايات المتحدة باتوا اليوم تحت المجهر، انطلاقا من الخوف من احتمال خوض مغامرة اخرى فاشلة في ايران، قد يرى فيها المحافظون الجدد تعويضا لفقدان العراق.
- آخر تحديث :
التعليقات