خيرالله خيرالله

خطا المغرب خطوة أخرى على طريق السعي إلى التوصّل إلى حل لقضية الصحراء العالقة منذ العام 1975. ما أقدم عليه المغرب خطوة شجاعة لا يقدم عليها عادة سوى الذين يبحثون عن مخارج لكل الأطراف المعنية بأزمة محددة بدلاً من البحث عن تعقيدات تُغرق هذه الأطراف في وحول الأزمة أكثر مما هي غارقة فيها. وبكلام أوضح، يبحث المغرب عن حلّ يريح الجميع وينقل المنطقة كلّها إلى آفاق جديدة بدلاً من البقاء في أسر الماضي وعقده المستعصية. من يقبل أن يكون في أسر الماضي وعقده، يرفض عملياً فكرة التطور، ويرفض خصوصاً فكرة التعاطي مع المتغيّرات الإقليمية والعالمية.
تجاوز المغرب بطرحه الجديد العقبات التي كانت تحول دون إيجاد حل. أكثر من ذلك، تقوم الخطة الهادفة إلى التوصّل إلى حل، بدلاً من استمرار الوضع الراهن على حاله، على عدم استبعاد أحد من دون أن تتسبب في الوقت ذاته بإلحاق الأذى بهذا الطرف أو ذاك. ولعل الجانب الأهم في الخطة المغربية، التي يعرضها مبعوثون مغاربة على الدول الكبرى وعلى العرب القريبين من المغرب والبعيدين عنه جغرافياً، هو ذلك الذي يقوم على تبسيط المشكلة من جهة وأعطاء كل ذي حق حقّه من جهة أخرى.
يأتي تبسيط المشكلة عن طريق عرض حكم محلّي موسّع في إطار المملكة المغربية، وذلك على غرار الحكم المحلي الذي تتمتع به مقاطعات اسبانية او إيطالية أو ألمانية. وهذا يعني في طبيعة الحال وجود برلمان محلّي وحكومة محلّية منتخبين مباشرة من السكان المحليين، أي من سكّان الصحراء. والأهم من ذلك كلّه، أن الخطة المغربية لا تستبعد حتى مشاركة المنتسبين إلى جبهة quot;بوليساريوquot; التي تطالب باستقلال الصحراء. وهذا يعني ألا أقصاء لأحد حتى لعناصر quot;بوليساريوquot; الموجودة في منطقة تندوف في معسكرات ومخيّمات بائسة أقامتها لها الجزائر.
على الصعيد العملي، تمارس الحكومة المحلية كل الصلاحيات التي تمتلكها أيّ حكومة في العالم. الاستثناءات الوحيدة تتناول العملة والسياستين الدفاعية والخارجية. كل ما عدا ذلك، من اختصاص الحكومة المحلية المنتخبة مباشرة من السكان وجزء لا يتجزأ من صلاحياتها. في ختام المطاف، المطلوب التوصل إلى حل يؤمن مصالح الجميع بما في ذلك مصلحة الجزائر التي تدّعي، أقلّه ظاهراً، أنها تسعى إلى حماية حقوق الصحراويين في حين أنها تعتبر في واقع الأمر قضية الصحراء استثماراً رابحاً كونها تستنزف المغرب واقتصاده. تكمن مشكلة النظام الجزائري، الذي لم يستطع التخلي عن عقد الماضي، أنه لا يزال يعيش في عالم آخر غير مدرك أن حلاً عادلاً لقضية الصحراء يحفظ للصحراويين كرامتهم وإنسانيتهم ويخدم الاستقرار في المنطقة كلها ويسمح للجزائر بالانصراف إلى معالجة مشاكلها الداخلية. إنّها مشاكل عميقة ومعقدة تغطيها حالياً، ولكن بشكل موقّت، عائدات النفط والغاز لا أكثر ولا أقل. عاجلاً أم آجلاً، ستطفو هذه المشاكل على السطح مجدداً كما حصل في العام 1988 من القرن الماضي في غياب المعالجة الجذرية التي تأخذ في الاعتبار المعادلات الإقليمية وحاجة كل دولة من دول المنطقة إلى مناخ الاستقرار. إن التسوية المعقولة والمقبولة والعادلة في الصحراء تشكّل ضمانة للجميع وربحاً للجميع، اللهم إلاّ إذا كانت مجموعات معيّنة في المؤسسة الحاكمة في الجزائر لا تزال تعتقد أن قضيّة الصحراء الغربية مجرّد باب رزق، وأنه ليس في استطاعتها التخلي عن العمولات التي تتقاضاها جراء المتاجرة بالصحراويين وقضيّتهم وحال البؤس التي يعانون منها...وذلك من منطلق أنه من الأفضل قطع الأعناق وليس قطع الأرزاق!
في كل الأحوال، لا يمكن الفصل بين قضية الصحراء والواقع الذي تعيشه دول المنطقة وشعوبها. وهذا يعني أن هناك مشكلة في حاجة إلى حلّ، وهذا الحلّ لا يمكن أن يكون على حساب المغرب، كما يُفترض أن يرضي في الوقت ذاته تطلعات سكان الصحراء الذين يطمحون إلى عيش كريم في أرضهم بعيداً عن quot;الغيتوquot; الذي وضعهم فيه الجزائريون بالقوّة. هذا quot;الغيتوquot; خطر على المغرب والجزائر في آن نظراً إلى أنّه يمكن أن يخلق إرهابيين من النوع الذي تخشاه كلّ دول المغرب العربي على رأسها الجزائر التي عانت سنوات طويلة من التطرف والإرهاب. لو لم يكن الأمر كذلك لما كانت هناك حالياً شكوى مغربية حقيقية من ارتباط عناصر في quot;بوليساريوquot; بتنظيم quot;القاعدةquot; الإرهابي الذي تشكو منه الجزائر أكثر مما يشكو منه المغرب.
هل ينجح المغرب في تنفيذ خطة الحكم المحلي الموسع في الصحراء؟ من مصلحته أن ينجح. كذلك من مصلحة دول المنطقة العربية وغير العربية أن ينجح كون غياب الحل يساعد الإرهاب إذ تستفيد التنظيمات المرتبطة به من أي خلاف أو تنافس بين المغرب والجزائر. ولا شك أن العرب، عموماً، لا يمكن إلاّ أن يستفيدوا من حال الانفراج التي يمكن أن تسود في دول المغرب العربي وفي منطقة شمال أفريقيا ككل. مثل هذا الانفراج لا يمكن إلاّ أن يساعد بدوره في تكريس الاستقرار الإقليمي. والاستقرار لا بد أن يساعد في نجاح الحرب على الإرهاب والتطرّف التي تخوضها كل الدول والمجتمعات العربية خصوصاً المغرب والجزائر وليبيا وتونس إضافة بالطبع إلى الدول الأوروبية في الضفة الأخرى من المتوسّط والدول الأفريقية القريبة من الصحراء. ولأن المغرب يدرك أهمية نجاح الخطة التي يطرحها، توّجه بها إلى الدول العربية، إضافة إلى الدول الكبرى كي تكون ذات عمق عربي في إشارة واضحة منه إلى ضرورة إشراك العالمين العربي والإسلامي في عملية تثبيت الاستقرار في منطقة شمال أفريقيا من جهة وتأكيد نيّته تفعيل دوره على الصعيدين العربي والإسلامي من جهة أخرى.
المغرب يريد الاستثمار في المستقبل، جاءت مبادرته الأخيرة، التي ستنتهي في مجلس الأمن، في هذا السياق. في سياق العمل من أجل إيجاد حل في الصحراء وليس من أجل تعميق الأزمة وترسيخها. إنّه حل يحفظ ماء الوجه للجميع نظراً إلى أنّه لا يصب في مصلحته فحسب، بل يصب أيضاً في مصلحة الصحراويين والمغاربة وفي مصلحة علاقات عربية - أفريقية وعربية - أوروبية أفضل في المدى الطويل. في النهاية ما البديل من الحل في الصحراء؟ البديل الوحيد بقاء الاتحاد المغاربي مشلولاً ورعاية النظام في الجزائر لبؤرة إرهابية أقل ما يمكن قوله إن كل دول المنطقة بما فيها الجزائر نفسها في غنى عنها!