إيان بريمر وولفانغو بيكولي - انترناشنال هيرالد تريبيون

للحظة، تبدو الحياة جيدة بالنسبة لاكراد العراق، اذ تبدو المحافظات العراقية الشمالية التي تشكل منطقة الحكم الذاتي الكردي وقد نجت من كثير من العنف الذي يعصف ببغداد. وقد عقدت الحكومة الاقليمية الكردية صفقات مع شركات طاقة اجنبية لاستغلال الثروة النفطية في المنطقة، وثمة طفرة انشاءات حالياً في مدينتي أربيل والسليمانية. هذا في الوقت الذي تنمو فيه التجارة مع تركيا.

لكن غيوماً سوداء تتجمع حالياً في الأفق. فمن أجل كسب الدعم الكردي ونيل موافقته على الدستور العراقي الجديد في عام 2005، أضيفت فقرة الى الوثيقة تسمح لمواطني كركوك الغنية بالنفط بالمشاركة في استفتاء هذا العام حول ما إذا كانت المدينة ستحكم من قبل بغداد او تخضع لاختصاص الحكومة الكردية المحلية. ويهدد التصويت بجعل كركوك تحت السيطرة الكردية بجر الاكراد الى دائرة العنف التي تعصف بأجزاء أخرى من العراق.

وتراود احلام الاستقلال, في الاثناء, المحافظات الكردية من اقصاها الى ادناها. وتعشعش وسط هذه الاحلام فكرة ضم كركوك المدينة الغنية بالنفط والتي يقطن فيها 700.000 مواطن. ومن المؤكد تقريباً ان يفضي اي استفتاء الى جانب وضع السيطرة على المدينة بأيدي الحكومة الكردية المحلية.

أدت الهجمات بالقنابل الى سوق اعداد غير معروفة على وجه التحديد من الشيعة والاقليات الاخرى الى خارج المدينة. ويوم الرابع من شباط - فبراير الماضي، امرت المفوضية العراقية العليا لتطبيع كركوك بمنح تعويضات لآلاف العائلات العربية (ومعظمهم من الشيعة، والذين كانوا قد جاؤوا الى كركوك بعد اعتلاء صدام حسين السلطة في عام 1968 اذا ما عادوا الى مدنهم وبلداتهم الاصلية. ويقول مسؤولون اكراد ان هذه الخطوة ستصحح الاخطاء التي حدثت خلال تعريب صدام للمدينة في سنوات الثمانينات والتسعينيات من القرن الماضي.

وفي الغضون، تكثفت المظاهرات التي ينظمها مواطنو المدينة من غير الاكراد ممن يخشون ان يفقدوا حقوقهم تحت السيطرة الكردية. ويخشى السنة والشيعة في اماكن اخرى من العراق على حد سواء من ان تفضي تحركات الحكومة الاقليمية الكردية الى امتصاص كركوك، ما يستتبع السيطرة على العوائد النفطية التي تدرها المدينة.

ولا يقتصر القلق على مسألة الاستفتاء على العراق فحسب. ففي الولايات المتحدة وصف التقرير النهائي الصادر عن مجموعة دراسة العراق برئاسة وزير الخارجية السابق جيمس بيكر وعضو الكونغرس السابق لي هاملتون كركوك بانها quot;برميل بارودquot;، وأوصت بتأجيل التصويت المذكور. وقد تسبب التقرير بانتقادات حادة من طرف الرئيس العراقي جلال طالباني الذي قال ان بيكر يستحق اللوم على القرار الاميركي في عام 1991 بعدم دعم انتفاضة كردية في حينه ضد صدام، وانه بالتالي لا يمكن الوثوق به.

لكن القلق الراهن الأكبر لدى الأكراد يكمن وراء الحدود، اذ تخشى تركيا من ان تؤدي سيطرة الاكراد على كركوك الى تمتع منطقة شبه الحكم الذاتي الكردية بالقوة الاقتصادية للمضي قدما نحو المطالبة بالاستقلال الكامل. اما الفقرة التي تخشى من ان يكرس اعتماد الاكراد على الذات الانفصال بين الجالية الكردية الضخمة التي تعيش في تركيا، فقد دعت الى بدورها إلى تأجيل الاستفتاء.

وفيما يبدو من غير المرجح ان تتدخل انقرة عسكريا ضد الأكراد، الا انها قد تعمد الى اللجوء الى ممارسة ضغط تجاري على الحكومة الاقليمية الكردية. ففي عام 2006 فقط بلغ اجمالي صادرات تركيا الى الحكومة الكردية، خاصة من الوقود ومواد البناء والاغذية، حوالي خمسة بلايين دولار. وتعمل حاليا في شمالي العراق اكثر من 600 شركة تركية.

وتوفر تركيا ايضا طرقا برية رئيسية حساسة لنقل نفط كركوك عندما يكون خط الانابيب الذي تعرض لاعمال التخريب عدة مرات من قبل المتمردين قيد الإصلاح. الى ذلك، تمثل تركيا المنفد الأكثر مباشرة لشمالي العراق من الأسواق الأوروبية. وبإغلاقها الحدود، تستطيع تركيا وباقتدار ان توقف الرفاهية الاقتصادية لشمالي العراق. ومع ذلك، ثمة احتمال لأن تعمد العناصر الشريرة المقربة من الدوائر الوطنية والعسكرية التركية الى تنفيذ نشاطات قمعية واعمال تخريبية في شمالي العراق لزيادة التوتر العرقي قبل اجراء الاستفتاء.

وباختصار، يواجه زعماء اكراد العراق مشكلة، فهم يعرفون ان اجراء الاستفتاء قد يستفز الشيعة والسنة والحكومة التركية. ويعتبر عدد قليل من الزعماء الاكراد الذين يعارضون التصويت شعبيين لدرجة كافية للتعديل على دعم غير مشروط من المقترعين الذين تريد اغلبية واضحة منهم وضع كركوك تحت سيطرة الحكومة الاقليمية الكردية. وبالرغم من ان دعم الاستفتاء يكون سريعا من الناحية السياسية، الا انه قد يسبب الدوامة.

وفعليا فان كل زعيم كردي يفهم ان الطرق لضمانة صون الاستقرار النسبي والازدهار الذي حققته منطقة الاكراد في العراق يكمن في تأجيل التصويت. لكن ايا منهم لا يريد ان يدفع الثمن. وللحظة، يستمر المسؤولون الاكراد في الاصرار علانية على ان تأجيل الاستفتاء لا الاستفتاء نفسه هو الذي سيفضي الى سفك الدماء. وفي الغضون، تسير على قدم وساق خطط اجراء الاستفتاء. ويقول مسؤولون محليون انهم سيجرون احصاء هذا الصيف للاعداد له.

ربما يضغط الشيعة والسنة والاتراك، بل وحتى الاميركيون من اجل التأجيل. لكن الضغط يمكن ان يفضي الى نتائج معاكسة ويصب الزيت على نار التصميم الكردي لنيل الجائزة. وربما يستطيع المسؤولون الاكراد ان يجدوا طريقة ما لتأجيل الاستفتاء. ولكن، وكما في العراق، فإن الاعمال الاستفزازية في كركوك قد تولد زخما هداما لا يستطيع احد احتواءه.