سليمان تقي الدين
اختصر المنسق الأعلى للسياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي، خافيير سولانا، بلغة الدبلوماسية مهمته في دمشق، بدعوة سوريا إلى laquo;لعب دور بنّاءraquo; في قضايا المنطقة تمهيداً لبناء laquo;الشراكةraquo;.
تولّى وزير الخارجية السوري الاعلان عن النتائج الايجابية للزيارة، التي تعكس تغييراً في laquo;المزاج الأوروبيraquo; بالتراجع عن سياسة العزل وفتح الحوار والاعتراف بحق سوريا في استعادة الجولان إلى حدود الرابع من حزيران، ما أثار حفيظة إسرائيل.
لكن سولانا عندما وطأ الأرض الأوروبية مجدداً انطلق في توضيح قضايا المحادثات، مشدداً على أنه نقل إلى سوريا مطالب في التعاون من أجل تطبيق القرار 1701 لجهة منع عبور السلاح إلى لبنان، ووقف دعم laquo;حزب اللهraquo; والمنظمات الفلسطينية، كذلك دعم أعمال العنف في العراق. وجدد سولانا دعم الاتحاد الأوروبي للحكومة اللبنانية في وجه محاولات تقويضها من قبل المعارضة المدعومة من سوريا!
لقد ساد انطباع عاجل ومبالغ فيه بأن زيارة سولانا تفتح صفحة جديدة، تطوي مرحلة العزل التي قادتها الولايات المتحدة، والتي أدت إلى توسيع مساحة التوتر في المنطقة. ولو أن الأوروبيين بالفعل قد أجروا جردة حساب موضوعية للسنوات الأخيرة من انضوائهم تحت المظلة الأميركية، لما عادوا يكرّرون لغة قديمة تتجاهل المداخل والمفاتيح الأساسية لتفكيك أزمات المنطقة. لقد كان من المفترض أن مراجعة موضوعية لسنتين من الدعم الأوروبي غير المسبوق للبنان، عفواً، لحكومة لبنان، وضعت هذا البلد في أزمة وطنية شاملة يصعب تعداد عناوينها وتفاصيلها.
فالتداعيات المأساوية للقرار ,1559 والذي كان لأوروبا الدور الأبرز في إخراجه، خلق ثلاث مشكلات في المفاصل التي أُريد معالجتها.
فالدفاع عن laquo;النظام الديموقراطيraquo; وآلياته الحرَّة من بوابة رفض التمديد والعمل على إسقاطه، أدَّى إلى تعطيل جميع المؤسسات الدستورية وإسقاطها في الفوضى الطوائفية.
والدفاع عن استقلال لبنان بوجه laquo;الوصاية السوريةraquo; أدى إلى توتر العلاقات بين البلدين ونشوء حالة من التشنّج والعداء لم يسبق أن بلغت التيارات الشعبية إلى هذا الحد.
ومحاولة معالجة سلاح المقاومة، تقوية للدولة، أو حماية لإسرائيل، أدت إلى انقسام وطني وإلى حرب تدميرية شنتها إسرائيل على لبنان بموافقة دولية صريحة، لم تكن أوروبا غريبة عنها وعن أهدافها. ففي أي قراءة لسياسات الدعم الأوروبية للبنان واستقلاله ونظامه الديموقراطي يتبيّن أنها أعطت نتائج معاكسة.
فالمجتمع الدولي لم يساعد أصلاً على دعم الاستقلال في كل ما يلامس المصالح الإسرائيلية، ولم يسهم في حل مسألة الأسرى ومزارع شبعا ولا حتى في تقديم خرائط الألغام. ورغم التمايز الواضح للسياسات الأوروبية المنظورة والملموسة تجاه قضايا المنطقة عن المشروع الأميركي العسكري ودعمه اللامحدود لمنطق القوة الإسرائيلي، فإن أوروبا لم توفر حتى الآن تطبيقاً نزيهاً للقرار 1701 بوضع حد نهائي لبقايا الاحتلال والاختراقات المتمادية للسيادة.
من المفيد جداً للبنان والمنطقة، أن تفتح قنوات الحوار الدبلوماسية والسياسية، وهي خطوة في الاتجاه الصحيح للتخفيف من التوتر وتشجيع سوريا على القيام laquo;بدور بنّاءraquo; يقوم على احترام سيادة واستقلال لبنان وعدم التدخل لتقويض حكومته. لكن من شروط ذلك أن يساعد المجتمع الدولي على دعم هذا الاستقلال وليس دعم فريق سياسي لبناني أو استخدام لبنان موقعاً للتفاوض. إن تكرار الحديث عن حكومة لبنان اليوم في ظل هذا النزاع الداخلي، والذي لا تجهل الدول الأوروبية طبيعته وعلاقته بالمعادلات اللبنانية والصيغة وتوازنات السلطة على المستوى الطائفي والسياسي، لا يخدم في تقوية المناعة اللبنانية. ولا يمكن أن يخضع لمعيار الديموقراطية، ما دامت المعارضة تمثل كتلة نيابية تكاد توازي نصف المجلس، وتمثل جزءاً أساسياً من مكونات الشعب اللبناني.
إن ما نحتاجه في لبنان هو أيضاً laquo;دور بنّاءraquo; لأوروبا يعيد التوازن إلى السياسة الدولية حتى على مستوى المنطقة. فلا يمكن أن تكتسب هذه السياسة مصداقية ما لم تحزم أمرها في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي، أو مصداقية ديموقراطية مع رفض نتائجها حيث تخالف توجهات الغرب السياسية.
- آخر تحديث :
التعليقات