الثلاثاء 20 مارس 2007
خيري منصور
كان لا بد من مرور بعض الوقت كي يسري قليل من الدفء في أوصال الدب الروسي، وكان حسم الحرب الباردة لمصلحة الولايات المتحدة قد أفضى الى توقعات تتغير معها تضاريس الكوكب السياسية، لكن التاريخ لم ينته مثلما قال منظرو النظام الجديد. وما حدث بالفعل على امتداد العالم هو جملة انفجارات معظمها ذو طبيعة اثنية، لكن قليلها وهو لا يصح الاستخفاف به كان تعبيراً عن حالة من ضيق التنفس التي أصابت شعوب العالم، بحيث بدت الامبراطورية الظافرة كأنها تسدل الستار على التاريخ برمته، لتدشن حقبة كولونيالية جديدة، تضيف الى الاستعمار القديم شروراً جديدة، ومنها توظيف التكنولوجيا ضد الإنسانية.
والدّب الذي غرق في سبات طويل، كان في واقع الأمر يتململ، ويعاني من احتباس حراري لا صلة له بالمناخ أو الصقيع الروسي، بل هو من صميم السياسة الدولية، وما طرأ عليها من انقلابات أوشكت ان تحذف مفهوم السيادة من المعجم السياسي. وكانت المحاولة الروسية لإعلان الوجود هي إحياء ما سمي نظرية قلب العالم التي ظهرت في عشرينات القرن الماضي، وقد تولى بريماكوف عبر مناصبه المختلفة مثل هذه المهمة، وكان حراكه الدائم مع الجوار الآسيوي بمثابة الإعداد والتهيئة لإحياء مشروع قديم، لكن العواصف هبت بما لا يشتهي بريماكوف، وما تبقى من نزوع روسي للبرهنة على الوجود في عالم أصبح أحادي القطب بلا منازع.
ولأن التاريخ لا يتكرر كما يقول ماركس إلا في صورتين إحداهما تراجيدية والأخرى كوميدية، فإن إحياء نظرية قلب العالم بقي خارج هذا التكرار، أو بمعنى أدق زاوج بين التراجيديا والكوميديا بحيث تجاوزها الروسي الى ما يسمى الآن إحياء العقيدة العسكرية، ويعتمد المعلقون والمحللون السياسيون الروس، ومنهم ليونيد الكسندروفيتش على تصريحات الرئيس بوتين، خصوصاً تلك التي بدت عنيفة وصادمة للولايات المتحدة في حوار تلفزيوني أجرته معه قناة ldquo;دوردارشانrdquo; مؤخراً.
قال بوتين، ان امريكا لا تستطيع الحياة بلا أعداء وتحبذ أن يكونوا أعداء كباراً كي تذهب الى أقصى حد في إقناع الشعب الأمريكي بأن التضحية ضرورية وهي دفاع عن النفس.
وقبل أن يعلن بوتين هذا الموقف بخمس سنوات كان صموئيل هنتنجتون صاحب أطروحة ldquo;صدام الحضاراتrdquo; قد نشر في مجلة ldquo;الفورين أفيرزrdquo; الأمريكية مقالة قال فيها ان الولايات المتحدة شغوفة بابتكار الأعداء، وحين لا تعثر عليهم فإنها تسعى بكل الجهد والاستفزاز لخلقهم.
لهذا فإن ما يستنتجه بوتين من هذه الفلسفة الأمريكية هو النظر الى روسيا كعدو كبير، يبرر الخطاب السياسي والعسكري للإدارة والبنتاجون، وهما يبرران سياسة العدوان والتمدد على حساب الآخرين.
والإجراءات التي اتخذتها روسيا ميدانياً وليس نظرياً فقط، منها تنصلها من اتفاق مع واشنطن على تدريبات عسكرية تشارك فيها الولايات المتحدة على الأراضي الروسية لمدة عام.
قبل عدة أعوام سخر جنرالات أمريكيون من الأسلحة التي تراكم عليها الصدأ في روسيا، لكنهم الآن يتكلمون بلهجة مختلفة، وقد تكون القرائن المثبوتة في منطقة الشرق الأوسط، والتي يرى البعض انها تمهد لحرب جديدة تشنها واشنطن ضد إيران هي ما يدفع الجنرالات الامريكية الى تغيير خطابهم الاستفزازي والسّاخر.
التعليقات