الحمد لله العلي القدير، شرّف الإنسان بالعقل، وميزه على باقي خلقه بالتفكير، والصلاة والسلام على البشير النذير، وبعد، فيقول أبو عبدالله غفر الله له ولوالديه: اعلم رحمني الله وإياك أن أهم ميزات العامل في السياسة أن يكون من أهل الفطنة والكياسة، فإن تخلى عنهما فما مارس إلا التعاسة، وما أقربه حينها من التياسة.
قيل لأبي عبدالله: فما ثوابت السياسة؟
فأجاب رحمه الله: سمعنا أئمتنا يحدثوننا في الباب فما أكثروا علينا بقول كقولهم: laquo;إن أهم ثابت في السياسة، هو المتحولraquo;!
فاشرأبت أعناق التلاميذ بحثاً عن مثال، فرأى الشيخ تطلعهم، وقال: أما رأيتم القائد الفذ والزعيم المُلهم معمر بن القذافي! والذي نفسي بيده، ما رأيت أكثر منه تقلباً، ولا أقل منه ثباتاً، وما ذاك إلا لتعرقه في السياسة، واندماجه فيها، واندماجها فيه، حتى لو قدر لكم أن تروى قطرة من دمه لقرأتم بياناً سياسياً، ولو اطلعتم على خلية من خلايا جسده، لما خلتكم إلا رائين لبؤرة من بؤر المؤتمرات الشعبية!
قيل لأبي عبدالله: أهكذا تكون الرئاسة؟
فانتفض أبو عبدالله، مغضباً، وكان حليماً، ثم قال للسائل الكريم: ما أحسبك إلا جاهلاً! وزاد أنزل الله عليه شآبيب الرحمة: من قال لك ان الأخ العقيد القائد، يتبوأ منصب رئاسة، أو يتسنم سدة مُلك؟
معاذ الله، ولا يليق ذاك بمثله!
إنما يحكم الجماهيرية، الجماهير، وما يقود البلد إلا الشعب، ولا يسير الأمور هناك، غير اللجان الشعبية، فإن سألت: ما اللجان؟ قلنا لك: بأن اللجان جمع لجنة، وسميت كذلك، تيمناً بالجنة، ولأن الجنة دار مقام ولا عمل فيها، فقد شابهت اللجان الشعبية، في تسميتها مسمى الجنة؛ هدف المؤمنين ومقصد الموحدين وبغية الطالبين الطيبين، لا لأن العاملين في اللجان لا يعملون، معاذ الله، بل، لأنهم يعملون عن الشعب، ويفكرون عن الشعب، ويتعبون عن الشعب، وينصبون عن الشعب، حماية للشعب من التفكير، فكيف تدنس الأمة أفرادها بالتفكير، وقد اختار الله لها لجاناً اختارها قائدٌ لها يفكّر، وعنها يقرر، ويتمادى مع السياسة فيُكثر التقلب، فمن العرب إلى الأفارقة، ومن الثورة إلى الثروة، ومن دعم المتمردين في الخارج، إلى قمع المتمردين في الداخل.
قيل لأبي عبدالله: فما دلالة ذلك رحمك الله؟ فأجاب: إنسانية العقيد القائد الأخ!
فسئل الشيخ: كيف؟
قال: ثكلتك أم أمك! أما علمت أن العرب تُسمي القلب قلباً لكثرة تقلبه، فكأنما يتقلب على مرجل. فما أرى الزعيم القائد إلا قلباً كبيراً، لكثرة تقلبه. ولا يغرنك من وهم وهماً عظيماً، وضل ضلالاً بعيداً، فاعتبر تقلب الزعيم مثلبة منقصة في حقه، وتغافل عن اقتراب الأخ الملهم من القلب بتقلبه.
ولما رأى أبو عبدالله تلامذته يطرقون في التفكير وقد ادمنوا النظر في السقوف، تشبهاً بالزعيم القائد الرمز، جمع ما انتثر من أوراقه، وخرج قبل أن يتأثر بحديثه الحضور، ويبدأوا التقلب فيزيائياً خلال الدرس.

كاتب وإعلامي سعودي