الخميس 12 أبريل 2007


د. حسن مدن


بيننا وبين إيران الكثير من أوجه الخلاف، ويمكن تفهم بواعث القلق في المحيط الخليجي من تنامي الدور الإقليمي لإيران، وسعيها لامتلاك عوامل قوة إضافية. يمكن العودة إلى الوراء بعض الشيء لتذكر أن عوامل الريبة أو عدم الاطمئنان في المحيط الخليجي تجاه إيران ليست وليدة الساعة، ولا ترتبط بقيام الجمهورية الإسلامية، فحتى في عهد شاه إيران كانت هذه العلاقة محاطة بجو معقد، رغم العلاقات الطيبة التي كانت تربط النظام الشاهنشاهي بالدول الغربية عامة، وبالولايات المتحدة خاصة والتي كانت مصدر التسليح الرئيسي لطهران. علينا في هذا السياق تذكر المطالبة الإيرانية بضم البحرين والتي جرى احتواؤها دولياً من خلال استطلاع للرأي قامت به الأمم المتحدة في البحرين للوقوف على تطلعات شعبها وقواه الاجتماعية والسياسية، التي عبرت بقضها وقضيضها عن تمسكها بعروبة البلاد ورغبتها في أن تكون دولة مستقلة ذات سيادة. لكن مطامح ومطامع الشاه التوسعية لم تتوقف، فما كاد ملف البحرين يسوّى حتى سارعت إيران إلى احتلال الجزر العربية الثلاث التابعة لدولة الإمارات العربية المتحدة وسط غض طرف مقصود من القوى الدولية المعنية، فسّر في حينه بأنه أشبه بالتواطؤ أو حتى الصفقة مع الشاه. وكان المؤمل أن تعيد الجمهورية الإسلامية النظر في مجمل السلوك التوسعي للشاه وتنسحب من الجزر الإماراتية الثلاث التي احتلها، لكن هذا لم يحدث، بل إن أصوات نافذة في النظام الجديد في السنوات الأولى للجمهورية الإسلامية أعادت المطالبة بضم البحرين.

ما من قوة محلية أو إقليمية استفادت من مجمل التطورات التي حدثت في المنطقة باحتلال العراق بعد سقوط العاصمة بغداد في التاسع من ابريل/ نيسان عام2003 أكثر من إيران، التي خدمها صعود القوى السياسية الجديدة إلى السلطة في العراق، وهي قوى تشدها إليها أواصر قربى مذهبية وسياسية، مكنت من تنامي النفوذ الإيراني إقليمياً، وترافق ذلك مع صعود القوى الأكثر تشدداً داخل المؤسسة الحاكمة هناك، التي وجدت في الرئيس الحالي محمود أحمدي نجاد الصوت ldquo;الشعبويrdquo; الممثل لها، والذي أدار الخلاف مع الولايات المتحدة حول الملف النووي بروح التشدد والحزم، حتى أوصله إلى ما أعلنه في التاسع من ابريل / نيسان الجاري من أن إيران نجحت في تخصيب الوقود النووي على مستوى صناعي، في ما يشبه المفاجأة التي أذهلت الغرب، الذي كان يتوقع أن طهران تحتاج إلى سنوات أخرى لبلوغ هذه الخطوة.

بعض المراقبين يرون في اختيار الإيرانيين للتاسع من ابريل/ نيسان بالذات موعداً لهذا الإعلان مغزى سياسياً، كأنهم يذكرون بحقيقة ما يسّره لهم ما جرى في هذا اليوم منذ أربع سنوات بسقوط النظام العراقي السابق من مزايا.

بصرف النظر عن درجة اختلافنا مع السياسة الإيرانية، علينا القول إنها قدمت درساً في طريقة إدارة الخلاف مع الغرب ومع المجتمع الدولي عامة حين يتصل الأمر بالمصالح الوطنية والقومية العليا، وجدير بالعرب أن يتعلموا من هذا الدرس. لقد وضعت طهران العالم أمام أمر واقع، مستفيدة بدهاء من التناقضات بين الدول الكبرى. وفي كل الأحوال، فإن باب المجهول قد فتح، فهذا الأمر الواقع لا يجعل الخيار العسكري الذي يشتهيه المحافظون الجدد خياراً وحيداً. ربما سيتعين على الجميع الآن النظر للموضوع من منظور مختلف.