أمير طاهري

قبل شهور، كانت دوائر واشنطن تعتبره laquo;رجل طهرانraquo; في بغداد، واليوم فإن دوائر لطهران تعتبره laquo;رجل واشنطنraquo; في بغداد، ذلك هو رئيس وزراء العراق نوري المالكي، الذي تتحمل حكومته الائتلافية مسؤولية لا تحسد عليها في إبقاء الاميركيين، عندما لا يريدون البقاء، ومنع الإيرانيين في الوقت الذي يريدون فيه الحضور.

والأميركيون، ومن بينهم بعض قادة الأغلبية الديمقراطية الجديدة في واشنطن، الذين عارضوا تحرير العراق من البداية، أو غيروا وجهة نظرهم في ما بعد، يحملون المالكي المسؤولية لعدم قيامه بشيء للإسراع برحيل القوات الاميركية، فيما هاجموا المالكي لعدم فرض عفو شامل عن البعثيين، بغض النظر عما فعلوه خلال 4 عقود من السيطرة. كما حملوه أيضا المسؤولية بخصوص رفض المشاريع الفيدرالية، التي يمكن أن تؤدي إلى تفكك الدولة العراقية. كما انتقدوه أيضا لرفضه مشاركة دخل العراق من النفط ، كما لو انه غنيمة بين اللصوص.

ويريد النقاد الاميركيون من المالكي دفع العراق للذئاب، لكي يثبت جاك مورثا ومايكل مور أن إسقاط صدام حسين كان خطأ.

أما نقاد المالكي الخمينيون في طهران، فلديهم مشكلتهم معه. ففي البداية، وكما أشارت وكالة الأنباء الإيرانية أخيرا، فإن المالكي laquo;شديد الولاء للعربraquo;، وترجمة ذلك بلغة واضحة، يعني أن الخمينيين لا يعجبهم المالكي، لأنه يؤكد هوية شيعة العراق العربية، بدلا من انتمائهم الديني. وفي الشهر الماضي، هاجم علي خامنئي المرشد الأعلى في إيران، المالكي بطريقة غير مباشرة. وتذكر ان العديد من قادة العراق الجديد قضوا سنوات في المنفى في إيران، ولمح إلى أن الوقت قد حان لرد الجميل.

إلا أن المالكي لم يقدم خدمات إلى الملالي، فقد زار نصف دستة عواصم في المراحل الأولى من رئاسته للوزارة، ولكنه لم يزر طهران. كما رفض عرض إيران باستضافة مؤتمر إقليمي حول العراق، مفضلا عقد المؤتمر أولا في بغداد ثم هذا العام في القاهرة.

كما منح المالكي الضوء الأخضر لشن هجوم على الميليشيات الشيعية وفرق الموت، مشيرا لضرورة إنهاء الحرب الطائفية.

ومن المتوقع أن يغضب المالكي طهران أكثر خلال الأسابيع القليلة الماضية بإبعاد وزراء الصدر الخمسة من وزارته.

وقد أشارت إيران إلى عدم سعادتها بتنشيط شبكتها في العراق لتنظيم مظاهرات الأسبوع الماضي في النجف.

وبالرغم من شهور من الضغوط من طهران، فقد رفض المالكي أيضا إلغاء عمليات التفتيش البحرية لقوات التحالف بتفويض من مجلس الأمن.

(البحارة البريطانيون الـ 15 الذين أسرتهم إيران في الشهر الماضي كانوا يعملون ضمن هذه المهمة).

وتريد طهران إلغاء مهمة البعثة لسببين:

أولا، تريد فرض سيطرة كاملة على شط العرب بين العراق وإيران، وبالتالي تنتهك اتفاقية الجزائر لعام 1975، التي حددت خط التالوك، وهو أعمق قناة في شط العرب باعتباره الحدود بين الجارتين.

وستسمح السيطرة الكاملة للمصب لإيران بفرض شروطها على اتفاقيات الجرف القاري المستقبلية مع العراق والكويت. وبلغة مباشرة، ترغب الجمهورية الإسلامية السيطرة على سواحل العراق الممتدة لمسافة 75 كيلومترا في الخليج وتحويل موانئ البصرة وأم قصر والبكر والفاو إلى رهينة استراتيجية.

واذا ما فرضت مثل هذه الخطة فان الجمهورية الإسلامية يمكن أن تسيطر أيضا على طريق الوصول إلى جزيرتي وربة وبوبيان الكويتيتين، اللتين تعتبران منطقتين تنمويتين جديدتين من جانب الحكومة الكويتية.

والسبب الثاني الذي يجعل طهران تريد من المالكي ان يلغي مهمة التفتيش البحري، هو خوف رجال الدين من أن الأمم المتحدة يمكن أن تستخدم، في مرحلة معينة، آلية ضد الجمهورية الإسلامية في سياق المجابهة الراهنة بخصوص القضية النووية.

والقراران الأخيران اللذان أقرهما مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة ضد الجمهورية الإسلامية يسمحان باستمرار مراقبة المرور البحري الإيراني في الخليج من قواعد عراقية، حتى بعد رحيل قوات التحالف، التي تقودها الولايات المتحدة، عن العراق.

كما أن حكومة المالكي قامت بعدد من الخطوات لإعادة تأكيد السيادة العراقية على أجزاء من الحدود مع الجمهورية الإسلامية، التي أصبحت مناطق خارج السيطرة، أو التي جرى الاستيلاء عليها من قبل قوات الحرس الثوري الإسلامي.

من ناحية اخرى، استولى الحرس الثوري على جزء من منطقة زين القوس، التي تبلغ حوالي 1800 كيلومتر مربع، بعد فترة قصيرة من سقوط صدام حسين وأقام عددا من التحصينات هناك ،غير ان حكومة المالكي رفضت قبول ما يعتبر في الواقع الفعلي سرقة مكشوفة للعراق.

وتشعر طهران بالأسى من أن حكومة المالكي تجاه إعادة فرض تأشيرات الدخول على الإيرانيين، مما يخلق صعوبات أكبر أمام تهريب الوكلاء الخمينيين بين الآلاف من الزوار الإيرانيين، الذين يتوجهون إلى العراق كل يوم.

وما هو أسوأ أن حكومة المالكي اعتقلت أو وافقت على اعتقال ما يزيد على 12 من كبار ضباط الحرس الثوري، وبينهم جنرالان ما زال الأميركيون يحتجزونهما في بغداد.

غير أن السبب الأكثر اهمية لغضب طهران، هو رؤية المالكي الاستراتيجية لعلاقات العراق مع الديمقراطيات الغربية، التي تقودها الولايات المتحدة. وهم يأملون في رؤية الأميركيين وحلفائهم يهربون وليس ينسحبون في سياق اتفاق مع حكومة عراقية صديقة. إنهم يريدون أن ينسب طرد الأميركيين الى طهران وحلفائها العراقيين، خصوصا مقتدى الصدر.

غير ان المالكي يريد إخراج التحالف، الذي تقوده الولايات المتحدة من العراق فقط عندما يكون العراق الجديد قادرا على الدفاع عن نفسه ضد أعدائه، بما في ذلك النظام الخميني في طهران. وفي ما عدا ذلك فانه يريد الاحتفاظ بشراكة استراتيجية مع الديمقراطيات الغربية لمصلحة التنمية الاقتصادية والتحول الاجتماعي للعراق.

ومع ذلك فالمالكي يواجه هجوما من جانب رجال الدين الإيرانيين وديمقراطيي واشنطن أيضا. فكلاهما يشعر بالكراهية له لأنه يعمل على منع أحلامهما من التحول إلى واقع.

فرجال الدين يحلمون بـlaquo;آخر هليكوبترraquo; تقلع من سقف السفارة الأميركية ببغداد، مما يعني نهاية الآمال الأميركية بخلق حكومة نزيهة في العراق. أما الديمقراطيون من جماعة جاك مورثا فقد لا يريدون هزيمة أميركية في العراق، ولكنهم يريدون شيئا يبدو كذلك. والهزيمة الواضحة في العراق وحدها هي التي يمكن أن تمنح حزبهم شيئا يوحد قاعدتهم ويقربهم من الوصول إلى البيت الأبيض العام المقبل.

قد يكون الأمر من باب المصادفة. غير أنه في كل مرة يرمي فيها عضو الكونغرس مورثا سهما مسموما باتجاه المالكي فانه يسمح لواحد من رجال الدين في طهران بالقيام بالشيء ذاته. ومن يدري فقد يكون المالكي على صواب في ما يفعل!