روسيا ldquo;المتآمرةrdquo;

سعد محيو

الاستراتيجية العليا التي توجه سياسات إدارة بوش هي المحافظة على السيطرة الأمريكية على العالم، أساساً من خلال الحد من نفوذ روسيا والصين اللتين تعتبرهما أمريكا اللاعبتين الوحيدتين ضدها على ساحة الصراع العالمي.

هذا التوجه الجيو- سياسي بدأ في أوائل العام ،2001 حين أعلنت وثائق استراتيجية أمريكية عدة عن أن واشنطن ldquo;لن تقبل بظهور منافسين لزعامتها العالميةrdquo;. حينذاك، لم تكن الصين هي وحدها المقصودة بل أيضاً روسيا.

بعد أحداث 11 سبتمبر/ أيلول، هدأت الموجة من التلميحات المعادية لروسيا بهدف الحصول على مساعدتها في الحرب على الإرهاب. إلا أن سياسة السيطرة المنفردة والمطلقة على العالم الأمريكية سرعان ما طفت على السطح مجدداً، ومرة أخرى اعتبرت روسيا تهديداً محتملا لهذه السيطرة.

في الثالث من شهر يونيو/ حزيران ،2004 أدلى وزير الدفاع الأمريكي آنذاك دونالد رامسفيلد ببيان مفاجئ أمام جمهور من مسؤولين أمنيين آسيويين، شن فيه حملة عنيفة على معاهدة شنغهاي التي أبرمتها روسيا مع الصين ودول إسلامية آسيوية، ووصفها بأنها ldquo;ليست شفافة كما يجب في ما يتعلق بنفقاتها العسكريةrdquo;. ثم ألحق هذا البيان فوراً بإعلان عن خطة لزيادة النفقات الأمريكية واستثمارها في مجال تطوير أنظمة تسليح مثل طائرات ال F-22 الحربية والغواصات النووية الحربية من طراز فيرجينيا التي لا تستخدم إلا في حالات حرب قصوى ضد روسيا.

يعلق المفكر الاستراتيجي مايكل كلير على هذه التطورات بالآتي: ldquo;لم يطرأ خلال سنوات حكم بوش أي تحَول في رغبة الولايات المتحدة في خنق روسيا. برزت هذه الرغبة واضحة في التقرير الذي صدر عن مركز ldquo;توجيه خطط الدفاعrdquo; والذي كتبه وكيل وزارة الدفاع بول وولفوويتز آنذاك وجاء فيه: ldquo;هدفنا الأول هو منع ظهور عدو جديد على أراضي الاتحاد السوفييتي السابق أو في أي مكان آخر، يشكل تهديداً على غرار التهديد السوفييتي السابقrdquo;.

وهذا لا يزال الهدف الرئيسي لاستراتيجية الولايات المتحدة اليوم. وهو هدف يتساوق إلى حد التطابق مع الهدف الآخر المتعلق بضمان سيطرة الولايات المتحدة الكاملة على مصادر الطاقة في منطقة الخليج والمناطق المجاورة في آسيا.

ويوضح كلير أنه حين أعلن عن هذا الهدف للمرة الأولى، كان الاتجاه يميل نحو السيطرة فقط على نفط الخليج. إلا أن الأمر تبدل في ظل إدارة بوش ليشمل أيضاً بحر قزوين، وذلك نتيجة ارتفاع أسعار النفط والخوف من انخفاض إمداداته. اتخذت الولايات المتحدة بعض الإجراءات لفرض السيطرة على هذه المنطقة التي كانت سابقاً جزءاً من الاتحاد السوفييتي، فقامت بنشر قواعد عسكرية في كل مكان تقريباً من وسط آسيا. الآن، تشعر روسيا بأنها محاصرة أمريكا من كل جانب. وبرغم أنها لا ترغب (ولا تستطيع في الواقع) الانغماس في حرب باردة أو سباق تسلح جديد مع أمريكا، إلا أنها ستبذل كل جهد ممكن لدفع واشنطن إلى الغرق أكثر في رمال الشرق الاوسط المتحركة.

قد لا تفعل ذلك علناً. قد توحي أحياناً انها تمالئ السياسات الأمريكية في المنطقة. لكنها ستكون أكثر من سعيدة إذا ما ساهمت في جعل أنف واشنطن يدمي بغزارة في العراق، وربما لاحقاً في إيران.

أمريكا على دراية بالطبع بهذه المواقف الروسية ldquo;غير الوديةrdquo; أو ldquo;الخبيثةrdquo;. وربما هذا، (إضافة إلى مواقف الصين التي لا تقل خبثاً)، ما يجعلها أكثر إصراراً على منع إيران من التحَول إلى الثقب الأسود في زعامتها العالمية. لكن كيف؟