علي العبدالله

أثار إقرار الفيدرالية والمادة 140 من الدستور العراقي التي رسمت خارطة طريق لتحديد تابعية منطقة كركوك في فيدرالية العراق، هواجس ومخاوف عرب كثيرين، وبعث رهاباً دفيناً كانت الثقافة السياسية، التي تبنتها السلطات العربية وحولتها إلى دين للدولة، قد روجته في الساحة العربية حول الانفصال واقتطاع جزء من أرض الوطن وrdquo;إسرائيلrdquo; الثانية...الخ.

نبعت مشكلة الشعب الكردي مع الدول العربية وغير العربية من نمط الثقافة القومية غير الديمقراطية التي سادت في هذه الدول والتي تتعصب لحقوقها القومية وتتجاهل، حتى لا نقول تعادي، حقوق الجماعات القومية التي تتشابك في وجودها وتمتزج مصالحها وحقوقها بالمعادلة الجغرافية السياسية القائمة، فقد اعتبر الفكر القومي العربي السائد كل تحرك سياسي غير عربي تحركاً معادياً للأمة العربية وخطراً على مستقبلها، وكل مطالبة بحقوق مثل وقف التمييز، والعدل، والمساواة في إطار الدولة دعوة تآمرية، لانها تطالب بما لا حق لها فيه فهي ليست طرفا أصيلا في المعادلة الوطنية. إنها طرف خارجي وجد على الأرض العربية في ظروف طارئة، لذا عليها الجماعات القومية غير العربية أن تتقبل شاكرة ما يقدمه لها أهل البلاد الأصليون.

لقد أنشأت الخريطة السياسية الراهنة مخططات القوى النافذة في الوضع الدولي في عشرينات القرن العشرين، وأسست لوضع قلق وحرج. معظم القوى الإقليمية ضد هذه الخريطة، كل لاعتباراته، ومع عدم المساس بها في ذات الوقت. فالعرب ضد هذه الخريطة لأنها قسمتهم وأفقدتهم أجزاء من أرضهم: فلسطين، لواء اسكندرون، عربستان، وضد المساس بها خوفا من خسارة ما. والأتراك ضد الخريطة لأنها انتزعت منهم ولاية الموصل الغنية بالبترول، وضد المساس بها لأن المساس بها قد يفقدهم مساحات لمصلحة الأكراد والعرب. والإيرانيون ضد الخريطة لأنها أفقدتهم مساحات في شط العرب وضد المساس بها لأن المساس بها قد يفقدهم أراضي لمصلحة العرب والأكراد.

الأكراد وحدهم ضد الخريطة ومع إعادة النظر فيها كي يأخذوا حقوقهم في أرض ودولة. وهذا أثار مشكلة إقليمية كبيرة لان إنشاء وطن قومي للأكراد سيتم فوق أراض تابعة لدول قائمة، ما يستدعي تغيير الخريطة السياسية وخلق سابقة تغيير الخرائط في العلاقات الدولية.

ترتب على ذلك تحفظ إقليمي ودولي وتوحّد مواقف دول إقليمية (تركيا إيران العراق سوريا) لمنع الأكراد من الوصول إلى هدفهم.

وهذا أدخل قضية الشعب الكردي في عنق زجاجة، فلا الجماعات الكردية وحدت صفوفها وتوحدت حول قضيتها، ولا هي نجحت في عقد تحالفات إقليمية ودولية تخدم أهدافها، ولا الدول التي تسيطر على أرض كردستان استطاعت إقناع الأكراد، عبر المعاملة الدستورية والقانونية العادلة، بأنها دولتهم، وأنهم جزء من شعوبها، لهم كامل الحقوق مثل كل المواطنين مع احترام خصوصيتهم القومية والثقافية وإعطائهم حق التعبير عنها في الممارسة اليومية، ولا القوى الدولية النافذة نظرت إلى القضية الكردية من زاوية مصلحة الشعب الكردي وحل النزاعات الإقليمية بتحقيق طموحات شعوب المنطقة في حياة آمنة مستقرة.

لقد غدا الشعب الكردي أسير التوازنات الإقليمية والدولية وأصبحت قواه السياسية، في أحيان كثيرة ldquo;مخلب قطrdquo; وأداة استنزاف للقوى المحلية. فقد وعدوا بدولة من قبل فرنسا (1921) وبريطانيا(1922) والولايات المتحدة (،1944 روزفلت، 1973 كيسنجر) ولكن كل ذلك لم يحصل.

وغدت دول المنطقة التي بها أقليات كردية كبيرة أسيرة القضية الكردية، تفجرها القوى الخارجية عندما يكون لها مصلحة في تفجيرها، وتتجاهلها بعد أن تحصل من هذه الدول على تنازلات سياسية واقتصادية.

قادت التجربة السياسية والعسكرية الكردية إلى نشوء وطنية كردية وكيان سياسي معنوي كردي لكنها لم تفرز برنامجا سياسيا كرديا واحدا، حيث تعددت المواقف وتباينت الرؤى والاستراتيجيات بين مطالب بدولة كردية خالصة، أسوة بكل أمم الأرض (حزب العمال الكردستاني التركي)، وتبني خيار الفيدرالية القومية (الحزب الديمقراطي الكردستاني والحزب الوطني الكردستاني العراقيان)، وبين مطالب بحقوق مواطنة كاملة في الدول التي يعيشون فيها وعلى قدم المساواة مع أبناء القومية السائدة في هذه الدول، والمشاركة في اتخاذ القرارات السياسية والاقتصادية.

إن قراءة مدققة في الظروف المحلية والإقليمية والدولية السائدة تقود إلى ترجيح استبعاد قيام دولة كردية مستقلة، واحدة أو في أجزاء من كردستان،في المدى المنظور، وهذا يطرح على دول وشعوب المنطقة ضرورة الخروج من المأزق بإيجاد قاسم مشترك بين أطراف الصراع المحلية، قاسم مشترك يؤسس لعلاقة عادلة تحق الحقوق المشروعة للجميع، وتنهي التوتر وتحد من الخسائر التي دُفعت إلى الآن وتقطع الطريق على القوى الخارجية التي تسعى لاستثمار التناقضات القائمة لابتزاز الأطراف المحلية، خاصة أن هذه الأطراف هي من ضحايا المعادلة الدولية.

إن إقامة عقد اجتماعي وطني في الدول التي بها أقليات كردية كبيرة، تتأسس على الإقرار بالتعددية القومية والدينية وتكريس نظام سياسي قائم على الحرية والعدالة والمساواة، يكفل لجميع مواطنيه الحرية السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، ويحقق العدالة في توزيع الموارد والخدمات، وترسيخ دولة الحق والقانون خطوة أولية على طريق وقف نزف الإمكانات المادية والبشرية في المنطقة، على طريق إقامة نظام ديمقراطي يسمح بانضواء الأكراد كقومية لها ذاتيتها وشخصيتها المتميزة في نطاق هذه الدول، ويقود إلى حل سلمي للمشكلة الكردية قائم على تحديد سقف المطالب الكردية حسب حجم الأكراد في كل دولة من هذه الدول، مثل القبول بدولة متعددة القوميات أو بحكم ذاتي في إطار دولة العدل والحرية والمساواة مقابل اعتراف هذه الدول بالتعددية القومية والثقافية والدينية في دولها وممارسة المساواة والعدل مع مواطنيها.