5 آلاف قدموا التماسا إلى بلير لاستثنائها من منع التدخين.. وأصحاب المقاهي مصدومون



لندن - يحيى المنقبادي


مع بزوغ فجر أول أيام شهر يوليو المقبل، ستختفي من شارعي 'إدجوار رود' و'كوينز واي'، المعروفين بشارعي العرب في لندن، أبرز معالمهما على الإطلاق... روائح أدخنة الشيشة.

ومن المقرر أن يبدأ في هذا التاريخ حظر للتدخين في أماكن العمل والأماكن العامة في جميع أنحاء إنكلترا وويلز. وبالطبع، سيشمل هذا الحظر تدخين الشيشة التي تعتمد عليها غالبية المقاهي والمطاعم العربية المنتشرة في 'إدجوار رود' و'كوينز واي'. وحاول أصحاب هذه المقاهي، المهددة بالإغلاق، إقناع الحكومة باستثناء الشيشة من الحظر، لكن يبدو أن محاولاتهم ذهبت أدراج الرياح، مع بدء العد العكسي لتطبيق الحظر الذي أعلن بدواعي الصحة العامة ويشمل أماكن أخرى مثل الحانات والبارات.

'القبس' جالت في 'شارعي العرب' في لندن، متلمسة آثار الحظر المرتقب على وجه الشارعين اللذين يشكلان القبلة الرئيسية للسياح العرب في بريطانيا.

ولا يحتاج الزائر إلى فراسة كبيرة لملاحظة الوجوم الذي يعلو وجوه أصحاب المقاهي العربية في لندن والعاملين فيها الذين ستنقطع مصادر أرزاق غالبيتهم مع سريان الحظر، خصوصا أن الشيشة هي مصدر نحو 80 في المئة من إيرادات هذه المقاهي والمطاعم المجاورة لها، حيث يراوح سعر 'حجر المعسل' بين 6 جنيهات و15 جنيها استرلينيا.

ويفرض الحظر على راغبي التدخين الخروج من المطاعم أو أماكن العمل إلى الطريق لتدخين سجائرهم. لكن هذا سيكون صعب التطبيق في حالة الشيشة. ويفرض القانون الجديد غرامة قدرها 50 جنيها استرلينيا على الأفراد المخالفين، فيما تتحمل المقاهي والمطاعم التي تسمح بالتدخين غرامة قدرها 200 جنيه استرليني عن كل مدخن.

ويقول عادل الشربيني، وهو مصري يدير عددا من المطاعم والمقاهي العربية في غرب ووسط لندن، بينها 'شيشة كافيه'، إن 'معظم زبائننا لا يأتون من أجل الطعام أو الشراب، فهذه الأصناف يمكن إعدادها في منازلهم. أنا أعمل في هذا المجال منذ أكثر من 30 سنة، ويمكنني أن أجزم بأن الشيشة هي عامل الجذب الرقم واحد للعرب الذين يريدون استرجاع أجواء بلادهم، وكذلك السياح الذين يتوافدون على الشارع من المناطق السياحية القريبة مثل شارع أوكسفورد وميدان بيكاديللي'.

ويضيف متحدثا الى 'القبس': 'مقاهي الشيشة جو اجتماعي. ومنعها مشكلة كبيرة. كيف تريد الحكومة البريطانية التقرب من الجاليات العربية، ثم تمنع أبناءها من الشيشة التي تمثل رمزا لثقافتهم... المسؤولون هنا لا يفهمون أن الشيشة للشباب العربي مثل الحانات للإنكليز'.

ويتدخل أحد زبائن الشربيني في الحوار، وهو كويتي اسمه عبدالرحمن يدرس في لندن للحصول على درجة الماجستير في الهندسة، مؤيدا كلامه. ويقول: 'بالتأكيد سنظل نأتي إلى المناطق العربية (في لندن)، ولكن ليس بالوتيرة نفسها'. ويوضح أن 'الشيشة هي السبب الرئيسي لمجيئي إلى هنا، على رغم أن في منزلي واحدة ومن الممكن أن أدخنها هناك، لكنني لا أدخن الشيشة من أجل التدخين فقط، ما يعنيني أكثر هو الصحبة'.

ويؤيده صديقه الكويتي ثامر. ويقول: 'إذا كانت السلطات حريصة على صحة الناس، فيمكنني أن أفهم منع التدخين في الحانات والمطاعم، حيث من الممكن أن يكون الزبون جاء من أجل تناول الطعام أو احتساء المشروبات. أما المقاهي العربية فيعرف من يدخلونها أنهم جاءوا لتدخين الشيشة، ولا هدف آخر غير ذلك، أي أننا على علم بالضرر ومستعدون له في مقابل المتعة التي نحصل عليها. ما دخل الحكومة إذا؟'.

وفي حين يؤكد معظم رواد 'إدجوار رود' و'كوينز واي' من العرب المقيمين في لندن أن زياراتهم للشارعين ستتأثر بحظر الشيشة، يقلل السياح العرب الذين وصلت طلائعهم خلال الأسابيع الأخيرة من تأثير منع الشيشة على إقبالهم على مقاهي المنطقة.

ويقول السعودي عبدالله العتيبي وهو يدخن الشيشة أمام أحد المطاعم اللبنانية فيما تتناول زوجته وأولاده عشاءهما: 'الشيشة موجودة في بلادنا، وأكيد أننا لا نقطع كل هذه المسافة من أجلها، بالطبع سنتضايق لغيابها. لكننا سنظل نأتي إلى لندن وإدجوار رود. الروح العربية لن تختفي من المنطقة، فالعائلات خصوصا تستمتع بأشياء كثيرة بخلاف الشيشة'.

لكن ليلى زين الدين، وهي شابة سورية كانت تدخن الشيشة مع مجموعة من صديقاتها، أكدت ل 'القبس' أنها لن تتكبد بعد حظر الشيشة 'عناء قطع الطريق من منزلي في شمال لندن إلى هنا كي أشاهد القنوات الغنائية أو أحتسي الشاي. نحن نجتمع هنا من أجل الأرجيلة والسمر. وإذا غابت الأرجيلة من 'إدجوار رود'، سنغيب معها بلا شك'.

التماس الى بلير

ولعل هذا هو ما دفع مجموعة من أصحاب المقاهي العربية في شارع 'إدجوار رود' إلى تنظيم حملة شعارها 'مجتمع من أجل الشيشة'، لاستثنائها من الحظر المرتقب. وضغط هؤلاء على نواب المنطقة في البرلمان البريطاني والأجهزة المحلية وعمدة لندن، كما رفعوا التماسا الكترونيا إلى رئيس الوزراء توني بلير للتغاضي عن مقاهي الشيشة، وقعه حتى الآن أكثر من خمسة آلاف شخص، ولا تزال هناك فرصة أمام من يرغب في الانضمام إليهم عبر موقع الحكومة البريطانية. ويطلب الالتماس الذي صاغه شخص يدعى حسين جاجبهاي ووقعه 5670 شخصا حتى نهاية الشهر الماضي، 'استثناء مقاهي الشيشة من حظر التدخين الذي سيطبق في إنكلترا وويلز مطلع يوليو المقبل'.

غير أن أمل أصحاب المقاهي يتضاءل يوما بعد يوم مع اقتراب موعد سريان الحظر. ويقول مدير الحملة إبراهيم النور الذي يتولى أيضا منصب الرئيس التنفيذي لتجار الشارع الشهير، إن 'منع الشيشية ليس قرارا صائبا'. ويضيف وهو يشير من نافذة مكتبه في 'إدجوار رود' إلى عامل يضع الفحم لزبائنه في مقهى مقابل: 'أمثال هذا الشاب هم أكثر من سيتضرر. من أين ستأكل عائلاتهم؟'.

حملة مضادة

وفي مقابل حملة أصحاب المقاهي، انتظمت حملة مضادة تقودها منظمات خيرية تعنى بالصحة العامة، لمواجهة المطالبات باستثناء الشيشة من الحظر. ويؤكد المسؤول عن 'حركة التدخين والصحة' مارتين دوكرل ل 'القبس' أن 'خطر تدخين الشيشة أكبر بكثير من خطر السجائر'. ويرى أن 'من يحاولون ترويج فكرة أنها أقل ضررا، ليسوا سوى أصحاب المقاهي المستفيدين من تزايد أعداد مدمنيها'.
ويشدد دوكرل على أن مجموعته ستتصدى 'بكل قوة لهذه المحاولات، وان كنا واثقين أن المنع سيسري على الشيشة مهما فعل هؤلاء'. ويعتقد بأن 'حججا من عينة أن الحظر لا يحترم قيم العرب والمسلمين، هي محض كذب، لأن منظمة الصحة العالمية وزعت إرشادات دينية تؤكد أن التدخين محرم'.

قرار نهائي

ويبدو أن قرار الحكومة البريطانية منع الشيشة في إطار حظر التدخين بات نهائيا لا رجعة فيه، إذ أكد ناطق باسم وزارة الصحة ردا على سؤال ل 'القبس' أن 'تدخين الشيشة سيعامل معاملة تدخين السجائر والسيجار، ولن نسمح به البتة في أي مكان عام مغلق'. ويأتي هذا التأكيد بعد تصريحات للوزارة أبقت باب الأمل مفتوحا أمام التجار، حين قالت إنها لا تزال تدرس إذا ما كانت القواعد الجديدة ستشمل الشيشة أم لا. لكن يبدو أنها حسمت أمرها.

200 سيجارة

وتلفت دراسة أعدها المكتب الإقليمي لمنظمة الصحة العالمية في الشرق الأوسط في مارس الماضي، تحت عنوان 'المخاطر الصحية لتدخين الشيشة'، إلى أنه على رغم أن مرات تدخين الشيشة تكون أقل كثيرا من مرات تدخين السجائر، فإن 'كمية التعرض للدخان من الشيشة في الجلسة الواحدة قد تصل إلى ما يعادل تدخين 100 - 200 سيجارة'. وتشير كذلك إلى 'ارتباط بين زيادة معدلات البدانة وتدخين الشيشة'، كما تؤكد أن مدخنيها تترسب في أجسادهم كميات كبيرة من المعادن الثقيلة، خصوصا الرصاص، ما يهددهم بأمراض سرطانية.
على أن هذه التحذيرات قد لا تعني كثيرا أصحاب المقاهي العربية في لندن وروادها الذين اعتادوا على وجود الشيشة، باعتبارها معلما بارزا من معالم 'شوارع العرب'، إن لم تكن أبرزها على الإطلاق.