د. سّيار الجميل


يزداد الاهتمام اليوم كثيراً بالدكتور جوردن براون الذي سيتولى مقاليد حكم بريطانيا بعد عشر سنوات من حكم توني بلير، ولقد جّر التحالف والحرب على العراق منذ العام 2003 كل النقمة على الأخير، ولكن ان كانت له عدة أخطاء خارجية، فانه خدم بريطانيا واقتصادها خدمات قل نظيرها، إذ شهدت تطوراً واسعاً في عدة مجالات.

وبرفقة براون الذي كان وزيراً للخزانة والمتميز بتفكيره وخططه وبرامجه الرائعة، وهو اليوم يقترب جداً من بوابة داوننج ستريت ليحّل محل توني بلير، ان ما يهمنا أصلاً كيفية معالجته للمسألة العراقية ومشكلات الشرق الأوسط، وكيف ستغدو علاقته بالرئيس الأميركي الذي لم يلتقه أبداً؟

ثمة غموض يكتنف شخصية جوردن براون على الرغم من انه لعب دوراً محورياً في الحكومة على مدى السنوات العشر الماضية. انه المؤرخ الاسكتلندي الذي تفّرغ للسياسة تماماً منذ أكثر من ثلاثة عقود من الزمن، ونجح كوزير نجاحاً كبيراً، واعتقد انه سينجح في قيادته لبريطانيا نجاحاً فائقاً، عاش طفولته انعزالياً وانطوائياً، وكان أبوه قسّاً يعمل في إحدى الكنائس الاسكتلندية .

ولد جوردن براون في غلاسكو في 20 فبراير 1951 وعاش في قرية اسكتلندية اسمها كيركولدي تقع بين مدينتي دندي وادنبرة وترّبى فيها وأهل القرية من الناس الطيبين وقد نشأ وترّبى بينهم في سنوات الخمسينات، وهو واحد من ثلاثة أشقاء. وفي سن الـ 12 كان يشارك في أعمال الدعاية للجنة المحلية لحزب العمال وفي سن الـ 18 انضم للحزب.

ومن إصابة في مباراة للرجبي بالمدرسة وهو في الـ 16 فقد براون نور عينه اليسرى بل وكان مهدداً بالعمى الكامل وهي تجربة يقال انها أثرّت فيه بشدة. حصل براون على شهادة عليا في التاريخ من جامعة أدنبرة وهو في العشرين ثم أكمل دراساته حتى حصل على درجة الدكتوراه.

في سن 21 جمع بين التدريس في الجامعة والنشاط السياسي والعمل في التلفزيون. وانتخب عضواً في البرلمان عن منطقة ويستمنستر في لندن لأول مرة عام 1983، وبعد سنة كان ينظر إليه على نطاق واسع على انه سيصبح زعيماً للحزب، لكنه وافق عبر صفقة سرية ذاعت عنها أحاديث طويلة على أن يتنحى عن الطريق مفسحاً إياه لآخر يتمتع بشخصية أكثر منه شعبية وقدرة على القيادة. ان شخصية براون قوية ومؤثرة ولكنها غامضة جداً، وعليه فهناك علامات استفهام عديدة حول مواجهتها.

اعتقد ان جوردن براون سيواجه مشكلات دولية، وان من أولوياته انه مطالب بخلق استراتيجية بريطانية تحدد طبيعة علاقته بالولايات المتحدة الأميركية وموقفه من الحرب في العراق، علماً بأنه كان موافقاً على تمويل الحرب في العراق وصوّت مع غزوه بتأييده العملية الأميركية!

وبالرغم من تأييده المزمن لخطوات صديقه توني بلير، ولكن الضرورة تقضي منه اتخاذ خطوات جديدة، محدداً مواقفه من قضايا الشرق الأوسط بوضوح تام، وسينتقل من رجل ظل إلى صانع قرار، واعتقد اعتقاداً راسخاً ان استفادته من التاريخ ودراسته وتدريسه له سيمنحه المزيد من الفرص القادمة، وان بريطانيا ستشهد نقلة نوعية في قيادتها إزاء معطيات القرن الواحد والعشرين . واعتقد ان الرجل قد تعّلم كثيراً من أخطاء سلفه، ولكن هذا لا يعني انه سيكون أفضل منه.

يقول أحد المراقبين عن براون: laquo; إن براون لا يتمتع بالكثير من المزايا التي تؤهله لرئاسة الحكومة، لاسيما في وقتنا الحالي، خاصة القدرة على استيعاب مختلف المواقف بما يمكنه من التواصل بصدق مع الجماهير، وباستثناء القلة المقربة جداً من براون والتي تدين له بالولاء، ينظر له الكثيرون ـ حتى من يعرفونه عن قرب ـ بعين من الشك، ومن ضمن أولئك المتشككين، بلير نفسه، فضلاً عن وزراء الحكومة البريطانية الحالية والسابقة، وموظفي الحكومة، إضافة إلي كتاب السير الذاتية، ومن ثم لا عجب إذن أن تثور الشكوك حول ما إذا كان براون سيتمكن من أن يكون رئيس وزراء قادراً على إدارة شؤون بريطانياraquo;.

إنني اعتقد العكس، إذ سينجح الرجل في إدارة بريطانيا والمساهمة في حل المشكلات الدولية العالقة بحكم تخصصه، خصوصاً وانه قال مصرحّاً بوضوح عن طريقته الخاصة في قيادة الحكومة، وهي الطريقة المغايرة تماماً لأسلوب بلير في الإدارة طوال الأعوام الماضية، والتي طالما طالب منتقدو بلير بانتهاجها. وأتمنى على كل من داخل بريطانيا أم خارجها ان يراقب تطور الأحداث وكيفية معالجتها من قبل مؤرخ لا يجيد إلقاء التصريحات بقدر ما يجيد لغة الإحصائيات والأرقام.

ومما نعرفه عنه أيضاً هو أنه بكل ما يدعيه من تمسكه بمبادئه قد ترك اشتراكيته التي كان يؤمن بها من أجل وزارة الخزانة في سياسة وضعتها حكومة بلير في منتصف التسعينات، فإذا كان هناك من باستطاعته أن يغير مواقفه بهذا الشكل الجذري فهل من الممكن أن يعيد الكرة، لاسيما الطريقة البراغماتية التي غدت سمة عامة بين رجال السياسة؟!

إننا نعلم جيداً أن براون بطبيعة شخصيته سيكون مختلفاً تماماً عن بلير، فإذا كنت مثلاً ممن لم تعجبهم ابتسامة توني بلير وتصنّعه للقوة، فلاشك أن براون سيكون هو الرجل المفضل.

وإذا كنت من منتقدي بلير لاهتماماته الفنية وبساطة لغته، فاستعد من الآن فصاعداً إلى جدية براون ولغته الصعبة المليئة بالإحصائيات. وعلى ذكر الإحصائيات، نكشف أن براون يسعى إلى التحول أكثر نحو اقتصاد السوق، وهو ما يبعث على التفاؤل، فالرهان هنا سيكون على الحصان نفسه الذي ربح من خلاله جون ميجور عام 1990 شعبية بريطانية ساحقة عندما قدم نفسه للرأي العام باعتباره نقيض مارغريت تاتشر، وهو ما ينبغي أن ندرك معه كم يعشق الناخبون تغيير الوجوه ـ على حد قول أحدهم!

www.sayyaraljamil.com