وسام سعادة


ماذا لو حلّ ببيروت ما حلّ بغزّة؟

وهل بالمستطاع أن يحلّ ببيروت مصاب غزّة؟

بالمناسبة... سلام الله على غزّة. سقياً لها تلك الأيام التي كانت فيها غزّة في عهدة أرض الكنانة، قلعة متقدمة لنظام جمال عبد الناصر. وسقياً لها الأيام اللاحقة التي احتُلت فيها غزة فتحولت لقلعة مقاومة تواجه عدوّها بما أوتي من عزم قهّار. ثم، أوَتذكرون اليوم المبارك الذي أمّ فيه أبو عمّار غزّة أوّل ما أمّ، في لحظة اعتبرت حصيلة لسنوات من الانتفاض، وبداية لمسيرة غير محمودة العواقب كان يظلّلها اتفاق laquo;غزة أريحا أولاًraquo;؟
غزّة! ليست المسؤولية هنا تحصر بحماس وحدها، وان تكن الحركة الاسلامية تتحمّل في نهاية المطاف المسؤولية الجسيمة للقرار الانقلابي ـ الانفصالي الأخير، الذي يطرح تحدياً مزدوجاً سواء بسواء على الفلسطينيين الأحرار، أو على الدول العربية، وفي طليعتها مصر. والحال أن قرار laquo;الحسمraquo; الحماسوي على جسامته ومضاعفاته الكارثية الأكيدة، لم يتخذ ببعد نظر يتجاوز فعلة اسلاميي الناصرة يوم أثاروا مشكلة تشييد مسجد في باحة كنيسة البشارة، غير آبهين بلزوميات تحشيد وتحفيز كافة القوى في مواجهة العدو. ما يميّز الاسلاميين أنهم لا يعملون أبداً على هدي من المفاضلة بين laquo;التناقض الرئيسيraquo; وlaquo;التناقض الثانويraquo;، وان كانوا يؤاخذون أترابهم من قوميين وخلافهم، ما لم يأخذوا بمثل هذه المفاضلة.
هذا حال غزة. لنعد الى بيروت. في لبنان يتعسّر الى الآن كل laquo;حسمraquo;. تأخرت قوى 14 آذار في الحسم مع رئاسة الجمهورية فأفلت اميل لحّود من مصير بديهي يوم يجتمع أكثر مليون نفر في وسط عاصمة وينجحون في اخراج جيش أجنبي منها بعد ثلاثة عقود على مكوثه فيها، من دون أن ينجحوا في الوقت نفسه لجهة تنحية الممثل المحلي لتلك المرحلة. كما تأخرت قوى laquo;تفاهم مار مخايلraquo; في الحسم مع حكومة فؤاد السنيورة فتمنّعت laquo;السراياraquo; وصارت قلعة حصينة أمنها من أمن المجتمع الدولي. كذلك الحال، الى حد كبير في نهر البارد. حيث بدأت ترتسم معالم مواجهة كلاسيكية قد تجعل الحسم نفسه نافلاً أو بلا معنى حتى لو تحقّق ذلك بعد جهد جهيد وطول مماطلة. في ظل وضع كهذا يكون فيه مُريد الحسم ناقماً من عجزه أن يكون حاسماً، فكيف لها أن تُجتلى بعد ذلك حسابات الفوز والخسارة؟ وهل يجوز بعد ذلك أن تخشى بيروت بعضاً من قبسات السيناريو الغزّاوي؟ لكن السؤال العملي والأشد هولاً يبقى هو التالي: ماذا لو اعتقد الطرف المعني باغراءات السيناريو الغزّاوي في لبنان، أنه لا خيار عنده غير الخيار الحماسوي؟ يرتبط هذا السؤال الآن مع استعدادات المعارضة اللبنانية لبلورة ما يضاد الهجوم المضاد الذي قرّرته الأكثرية بتقريرها موعداً للانتخابات الفرعية متجاوزة رئاسة الجمهورية.
غاية القول أنه ان كان ثمة ما هو ايجابي في معركة نهر البارد فهو انفجار احتدامات الأزمة بعيداً عن وسط المدينة أو عن مركز البلد، وتحديداً في الهامش. لكن هذا الانفجار يعود بالنتيجة بمزيد من الاحتدام وبمزيد من التكريس لمعادلة تطلّب كل طرف لموجبات حسم الأمور بوجه الطرف الآخر، وعدم قدرة أي طرف حتى الآن على حسم هذه الأمور ان لم يلجأ الى القوة العارية لزجها في معمعان الأزمة؟
ثمة أمور غريبة منتظرة هذا الصيف. يحدث ذلك بعد كل ما أُتحفنا به من غرابة في الصيف الماضي. لكن اذا ما اعتبر عابر سيجد التالي: انه عشية حرب تموز من العام المنصرم، شكلت كل من حماس وحزب الله ما يعادل laquo;الكماشةraquo; المطوّقة لحكومة ايهود أولمرت التي كانت تؤسس على الانسحابين الأحاديين من لبنان وغزة مشروع انسحاب أحادي من الضفة الغربية بالحدود التي تروق للاسرائيليين. بعد سنة من تاريخه، انكمشت الكماشة، وذلك بمعنيين: ما عادت حماس تهدّد أمن المناطق الاسرائيلية فعلاً، لكنها حسمت الأمور لصالحها في غزة، بحيث إنه يمكن لها أن تطمع بعد ذلك ببناء امارة مؤمنة تكفي نفسها عذابات القتال؟ فهل يتحمّس معادل حماس في لبنان بدوره الى مثل هذا الصنيع، أو يتحلى بما عوّدنا عليه رغم كل شيء، من دراية تتفوق على مثيلاتها لدى غيره من الحركات الاسلامية المقاتلة؟