...والاسد يُصر علي وجود مبعوث رسمي عن الادارة الامريكية في اي لقاء مقبل
الفوضى في المناطق خفضت أسهم القناة الاسرائيلية ـ الفلسطينية ولم يبق لاولمرت سوي دمشق

عكيفا الدار ـ هارتس

كان ذلك في اليوم الثاني عشر من حرب لبنان الثانية. امتلأت سماء الشمال بصواريخ الكاتيوشا وبالطائرات المقاتلة، وأصمّت صافرات سيارات الاسعاف الآذان في نهاريا وفي بيروت. في تلك الساعات اجتمع سوري، واسرائيلي، وامريكي وسويسري في احدي غرف فندق بليفيو في بيرن، عاصمة سويسرا الهادئة، وتحدثوا عن اتفاق سلام بين سورية واسرائيل. كان هناك ابراهيم سليمان، رجل اتصال دمشق، والدكتور ألون ليئال، المدير العام لوزارة الخارجية الاسرائيلية، ونيكولاس لينغ، دبلوماسي سويسري، وجيف أهارونسون، ممثل صندوق واشنطن للسلام في الشرق الاوسط.
تبين مع الوقت أن هذا كان اللقاء الأخير في هذه القناة السرية. يقف علي الأقل واحد من الحاجزين اللذين سدا المحادثة غير الرسمية بين اسرائيل وسورية في صيف 2006 في طريق محادثات سلام رسمية بين الدولتين في صيف 2007 . لا يوجد هذا الحاجز الآن لا في القدس بل ولا في دمشق. لانه توجد دلائل علي أن رئيس حكومة اسرائيل، ايهود اولمرت، ورئيس سورية بشار الأسد، مستعدان حقا لصنع الحدث. الحاجز الذي يقف في طريق مائدة المفاوضات هو رئيس الولايات المتحدة جورج بوش. أو من الأصح أن نقول ـ رفضه أن يحتل المكانة المحفوظة لرئيس الولايات المتحدة علي رأس الطاولة. في ذلك اللقاء الأخير في بيرن، شكر سليمان ليئال علي إسهامه في جهود السلام بين سورية واسرائيل، وأضاف أن دمشق تري أن المخطط غير الرسمي قد استنفد نفسه.
وقال سليمان يجب في اللقاء القادم أن يشارك ممثل رفيع عن رئيس الحكومة. وليس هذا كافيا ايضا، مع كل الاحترام للدبلوماسي السويسري وللمواطن الامريكي، يُصر الأسد علي أن يحضر اللقاء القادم مبعوث رسمي عن الادارة الامريكية. وقد ذكر إسم دافيد وولش، مساعد وزيرة الخارجية لشؤون الشرق الاوسط. نهاية هذا الفصل معروفة ـ فقد وصف اولمرت سليمان بأنه رجل حالم وهرب الموظفون الذين حصلوا علي تقارير عن سير المحادثات في القناة السويسرية الي الجانب الثاني من الرواق في كل مرة دُفعوا قريبا من ليئال. التقرير المرحلي للجنة فينوغراد والانتخابات التمهيدية في حزب العمل افتتحتها من جديد. ثار انطباع عند اصدقاء تحدثوا مؤخرا الي اولمرت أنه يدرك أن اتفاق سلام حاسما هو احتماله الوحيد للخلاص من لجنة فينوغراد ولتخليص ايهود باراك من التزام حل الشراكة معه. خفضت الفوضي في المناطق أسهم القناة الاسرائيلية ـ الفلسطينية حتي مستوي الارض ولم يبق له سوي أن يبذل جهده في سهم رئيس سورية الأسد. ووضع الزعيم السوري ايضا لا يثير الحسد. فالدكتور في الشمال لا يعرف من أين سيأتي الشر: هل من قرار حكم المحكمة الدولية في قضية مقتل الحريري، أم من حكومة اسرائيلية غاضبة، أم من متطرفي الاسلام.
تصدر عن لقاء المصالح هذا علي التوالي تصريحات مكشوفة ورسائل سرية في شأن شوق الرجلين الي تجديد التفاوض السلمي. يوجد عروسان، لكن من أين نأتي برجل الدين؟ تخلي الأسد منذ وقت عن طلب أن يبدأ التفاوض من المكان الذي وقف عنده قبل سبع سنين. وقد خفف اولمرت ايضا من مطالبه. فرئيس الحكومة يستعمل شرط أن يُطلِّق الأسد محمود أحمدي نجاد، وأن يُدير ظهره لحسن نصر الله، وأن يطرد خالد مشعل عنه، في اللقاءات الصحافية. وكذلك ايضا ذريعة أن بوش لا يسمح له بدخول قبة العروس خرجت من مستودع الذرائع. قال بوش لاولمرت انه رغم عدم تحمسه للفكرة، فانه اذا أراد رئيس الحكومة محادثة الأسد فلن تقف الولايات المتحدة في طريقه. لكن ما تزال الطريق طويلة من هنا حتي تعيين موظف امريكي للجلوس الي المائدة مع ممثل عن محور الشر. بل أصح من ذلك أن نقول انها مسدودة. هنا كل شيء عالق. خرج مايكل وليامز، مبعوث الأمين العام للامم المتحدة الجديد للشرق الاوسط، في هذه الايام من دمشق مع نفس الانطباع الذي حصل عليه المتحسسون الأتراك (دارت الاتصالات بين تركيا وسورية بواسطة الهاتف في الأساس). لم يكن يجب علي وليامز أن يكون متفاجئا. فقد التقي نائبه روبرت دان ليئال وسليمان في حديث طويل في غد ظهور الاثنين في لجنة الخارجية والأمن في الكنيست. وقد عرضا علي دان التفاهمات التي صيغت في القناة السويسرية وأوضحا ما الذي ينبغي فعله لاتمام الناقص في ورقتهم ولجعلها اتفاقا.
ليس الأسد بحاجة الي بوش لمحادثة اولمرت في هضبة الجولان. لكن مع كل أهمية اعادة الجولان الي سورية، ليس هذا مهما بقدر كافٍ لاغضاب الايرانيين، ولخلخلة العلاقات بحزب الله ولاضعاف تأثير حماس. فمقابل اتفاق سلام مع اسرائيل حصلت مصر، والاردن والفلسطينيون ايضا في فترة ما، علي بطاقة دخول واشنطن وزيادة مليارات الدولارات. في الحقيقة أن بوش سمح لوزيرة خارجيته كوندوليزا رايس أن تجلس في حضرة وزير الخارجية السوري وليد المعلم، لكن كان الشرط أن يتحدثا عن العراق فقط.
لكن الأسد يريد الحديث الي الامريكيين ايضا في علاقاته بلبنان، وفي تسوية قضية الحريري وفي إزالة الحظر الاقتصادي عن سورية. أبلغت الصحيفة اللبنانية المستقبل أمس عن أن المعلم زار واشنطن مؤخرا والتقي مسؤولا امريكيا كبيرا في بيت السفير السوري عماد مصطفي. وكان الشرط أن يظل الأمر سرا. لكن الأسد لا يريد أن يخجل الامريكيون من الخروج معه الي الشارع.

سفير ارادة خيّرة

وفي هذه الاثناء قال السفير السوري في لندن، سامي خيامي، في يوم السبت انه ليس من المنطقي توقع أن تتعري سورية تماما قبل أن تدخل السرير مع اسرائيل وصديقتها الامريكية. وقد التزم انه عندما يجلس الاسرائيليون، والسوريون والامريكيون الي المائدة، فسيستطيع كل طرف أن يضع عليها قائمته. مع ذلك اقترح الخيامي الذي يُعد من مقربي الأسد، التخلي عن طلب أن يأتي السلام مع اسرائيل، ومصالحة الولايات المتحدة وتحسين العلاقات مع اوروبا، علي حساب ايران، وحزب الله وحماس. وفوق ذلك يجب أن يهتم الغرب بأن تحافظ دمشق علي قناة مفتوحة مع طهران. وقد برهن علي ذلك باستعمال هذه العلاقات أخيرا لتخليص رجال البحرية البريطانيين من الأسر الايراني.
وفي تناول حزب الله ايضا أوضح الخيامي أن الحديث عن حزب مشروع ولهذا فان سورية لا تنوي أن تعلن محاربته. وقد عبّر عن ثقته بأن حل الاختلاف علي مزارع شبعا واتفاق سلام مع سورية، سيُزيلان تهديد اسرائيل من جهة لبنان. وفيما يتعلق بقيادات منظمات الرفض الفلسطينية الموجودة في دمشق، يؤمن السفير أن سورية تستطيع مساعدة اسرائيل في التوصل الي تسوية مع الفلسطينيين، تفضي الي أن لا توجد حاجة الي كل تلك المنظمات وأن تختفي. يقترح باتريك سيل التنبه الي أن السفير ذكر أن سورية تدرك أن حكومة اسرائيل لا تستطيع الصمود لعبء انسحاب في جبهتين في نفس الوقت، ولهذا فانها لا تعارض أن ينتظر الفلسطينيون بصبر انجاز تسوية في الجولان. المهم ألا ندع غصن الزيتون يسقط من أيدينا . تحدث السفير في اللقاء من قبل مركز الاعلام السوري ، الذي شارك فيه صهر الأسد، فواز الأخرس، والخبير البريطاني بالشؤون السورية، باتريك سيل، الذي كان من ضيوف الأسد الأب. عرض دافيد ساسون، وهو اسرائيلي يسكن لندن ويمثل هناك الحركة من اجل السلام مع سورية، عرض نفسه علي السفير السوري وحظي بتربيتات تشجيع. وتأثر ساسون تأثرا خاصا باجابة الخيامي للسؤال عن مصير المستوطنين اليهود في هضبة الجولان. سجل ساسون أمامه أن السفير قال إن سورية دولة متسامحة تعرف الضيافة، وأن تحت سيادتها بالطبع، أرمن، ومسيحيين ويهودا. وقد فهم انه اذا وافق المستوطنون علي أن يكونوا مواطنين سوريين مخلصين فسيستطيعون البقاء في اماكنهم.
في الاسبوع المقبل، ستحصل جماعة الضغط اللندنية من اجل السلام بين اسرائيل وسورية علي تعزيز من القدس ومن واشنطن. ستكون العاصمة البريطانية آخر محطة في رحلة عروض للزوجين ليئال ـ سليمان في أرجاء اوروبا. استُدعي الاثنان للمحاضرة في البرلمان الاوروبي في بروكسل وليتقاسما انطباعاتهما مع مسؤولين كبار في وزارة الخارجية الفرنسية.

ثلة صغيرة من الفلسطينيين

يصعب أن نجد لائحة اتهام لادارة بوش أشد من الوثيقة المفصلة التي قدمها نائب الأمين العام للامم المتحدة ومبعوثه الي الشرق الاوسط، إلفيرو دي ـ سوتو، الي بان كي مون مع انتهاء ثلاثين سنة خدمة في المنظمة. انه يتهم الولايات المتحدة بمؤامرة لابعاد الحكومة الفلسطينية عن السلطة بأي ثمن، حتي لو كان ذلك بثمن حرب أهلية دامية. لا عجب من أن نشر تفاصيل عن الورقة السرية في صحيفة الغارديان اللندنية قد زعزع المبني الزجاجي في نيويورك.
لا يوجد شيء تخافه الأمانة العامة للامم المتحدة أكثر من ازمة في العلاقة مع واشنطن. لا يصعب أن نُخمن كيف ردوا هناك علي قراءة الفقرة الآتية من الوثيقة: أريد أن اؤكد أن حكومة الوحدة الفلسطينية، علي أساس مصالحة مكة، كانت قريبة المتناول بعد الانتخابات في المناطق، فورا ، كتب دي ـ سوتو. كان هذا سيحدث لولا أن قادت الولايات المتحدة الرباعية الي اشتراط شروط غير ممكنة والي معارضة حكومة الوحدة مبدئيا . يزعم دي ـ سوتو أنه منذ الانتخابات حتي اتفاق مكة دفعت الولايات المتحدة الي مواجهة بين فتح وحماس. في لقائي مع ممثلي الرباعية الذي عُقد قبل اسبوع من قمة مكة، في ظل المواجهة الداخلية في غزة التي قُتل فيها وجُرح مواطنون، قال الممثل الامريكي مرتين أُحب هذا العنف. يعني هذا أنه يوجد فلسطينيون يقاومون حماس .
يقترح دي ـ سوتو علي الأمين العام للامم المتحدة أن يتذكر هذه الاقوال في المرة القادمة التي سيحاول فيها بعضهم اقناعه، بأن سنة من الضغوط لحكومة حماس فعلت فعلها وأنه يجب الاستدلال من ذلك علي أنه يجب الاستمرار في محاصرة المناطق، ويتابع دي ـ سوتو قائلا العكس هو الصحيح، كان يمكن الحصول علي نفس النتائج من غير هدم المؤسسات الفلسطينية وأن يوفر علي السكان المعاناة الكبيرة التي سُببت لهم من اجل تقديم سياسة قصيرة الأمد غايتها الفشل .
في شهر أيار (مايو)، عندما كتب دي ـ سوتو هذه الاقوال الخطيرة، لم يكن يستطيع أن يعرف انه بعد مضي بضعة اسابيع سيمضي اتفاق مكة في طريق اتفاقات اخري بين المنظمات الصقرية. ولكن من قراءة ما يأتي بعد ذلك في الوثيقة يمكن أن نُخمن أن انفجار شهر حزيران (يونيو) لم يفاجيء الدبلوماسي البيرووي القديم. في تشرين الثاني (نوفمبر) 2006، أبلغ دي ـ سوتو عن أن المستشارين المقربين من أبو مازن كشفوا لنا علي نحو خاص عن أنهم صاغوا مبادرة لحل حكومة حماس. لقد خططوا لفعل ذلك باستفتاء شعبي يُطلب فيه الي الفلسطينيين أن يصادقوا علي تأييد حل دولتين علي أساس اتفاق اوسلو. وكما في عدة حالات في الماضي، آمن الامريكيون الذين يصغون الي ثلة صغيرة من الفلسطينيين، يقولون لهم ما يريدون سماعه، آمنوا أن أبو مازن كان مستعدا لتحدي حماس. ولم يعرفوا تقدير الرجل وميزان القوي الذي واجهه . اقترح دي ـ سوتو علي رب عمله أن يأخذ في الحسبان امكانية أن السلطة الفلسطينية ستنهار إن عاجلا أو آجلا، سواء أكان ذلك نتيجة تطور مخطط له، أم نتيجة انهيار الحكومة، في أثر الحصار الاقتصادي، بتفضل الرباعية. ويقرر رجل الامم المتحدة الغاضب أنه اذا حدث هذا الأمر فان المسؤولية عن رفاهية السكان الفلسطينيين ستقع علي اسرائيل وأن جميع انجازات اوسلو سيعفو عليها الزمن.