أمير طاهري

قبل 6 اشهر، كانت قوات التحالف في العراق بقيادة الولايات المتحدة تبدو في حالة دفاع ذاتي، تسمح للارهابيين والمتمردين بمزيد من النشاط في أجزاء من بغداد ومحافظتي الأنبار وديالى. وفي الوقت ذاته كانت حكومة نوري المالكي تبدو مشاركة في حملة هجومية سياسية.

واليوم اصبح لدينا عكس الموقفين. فهناك ديناميكية في المجال العسكري وارتخاء في المجال السياسي.

فقد زادت قوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة قواتها الفعلية بحوالي 20 الف رجل، وتحركت بقيادة قائدها الجديد الجنرال دافيد بيتراوس الى الهجوم.

فقد تم فرض الاستقرار في محافظة الانبار غرب العراق، الذي يشتهر بالانفلات منذ زمن طويل، بمساعدة من القبائل العربية السنية، التي حملت السلاح ضد القاعدة وحلفائها من البعثيين.

وفي احياء بغداد، التي يسيطر الارهابيون عليها، تؤسس قوات الأمن العراقية بمساعدة من الولايات المتحدة وجودا فاعلا يسمح بعودة طبيعية ومستقرة للاوضاع. وفي حي من احياء بغداد نجح السكان، بعد شعورهم بالاطمئنان بوجود قوات اميركية وعراقية، في طرد وحدة ارهابية موجودة هناك منذ عام 2003.

انتقل الجيش العراقي، بمساعدة القوات الاميركية والبريطانية، الى مرحلة الهجوم في الجنوب الشيعي ايضا. وتمكنت عملية كبرى من تحطيم شبكة تهريب كبرى، يقودها الشقيقان الخزعلي في اقليم ميسان، وأغلقوا واحدا من طرق تهريب الاسلحة الايرانية الصنع، من بينها المتفجرات الخارقة.

ولاول مرة منذ سقوط صدام حسين في ابريل 2003، اعدت القوات العراقية ونفذت عمليات تهدف الى تطهير احياء في بغداد من المتمردين والكشف عن الخلايا الارهابية في بعقوبة.

بعد مرور ثلاث سنوات من التقدم المتقلب، تم تسريع برنامج تدريب الجيش العراقي الجديد والشرطة. وزاد عدد المجندين الجدد في الجيش والشرطة بحوالي 10 في المائة، بينما زاد عدد الكتائب المقاتلة من 22 الى 50.

حصلت قوات الامن العراقية على درجات جيدة هذا الشهر، عندما اشرفت على حظر تجول في بغداد، بعد الهجوم السني على مرقدين شيعيين في سامراء. وقد ادى هجوم مماثل في العام الماضي الى انتشار اعمال عنف في بغداد، أدى الى مقتل عشرات ودمار كبير للممتلكات الدينية والتجارية المرتبطة بالأقلية السنية. اما هذه المرة فلم تقع مصادمات طائفية وتعرض مسجدان سنيان فقط الى الهجوم.

كما انتشرت انباء جيدة في ما يتعلق بالسيطرة على حدود العراق. وربما يبدو الامر صعب التصديق، ولكن تمكنت القوات العراقية الان، بدعم من قوات التحالف، من السيطرة على 1483 كلم من الاراضي والحدود الساحلية مع ايران كانت بلا اشراف تقريبا منذ عام 2003. وفي الشهر الماضي تمكنت القوات العراقية وقوات التحالف من السيطرة على القائم، البلدة الرئيسية التي تسيطر على الحدود مع سورية.

على الرغم من ان الحكومة العراقية وقوات التحالف ترفض نشر احصائيات كاملة تتعلق بخسائر الارهابيين والمتمردين، فإن التقارير تشير الى انه في العشرة اسابيع الماضية تعرض اعداء العراق الجديد الى اكبر خسائرهم منذ بداية النزاع قبل اربع سنوات.

والاهم من ذلك، بدأ المتمردون يواجهون عمليات هروب في صفوفهم، بينما يعتقد ان عددا كبيرا ترك العراق، بهدف متابعة laquo;الجهادraquo; في دول اسلامية اخرى.

تعززت معنويات القوات الاميركية والعراقية بقرار الحزب الديمقراطي التخلي عن حملته النشيطة ضد استمرار الوجود الاميركي في العراق. وهناك شعور متزايد في بغداد بامكانية تبني الولايات المتحدة استراتيجية انسحاب من العراق، قد انخفضت مقارنة بالخريف الماضي. وقد ادى ذلك الى تشجيع القوات العراقية على دخول المعارك بقناعة كبرى.

وفي الوقت الذي تحسن فيه الموقف العسكري، فان الموقف السياسي تدهور. فمن الواضح ان حكومة المالكي في غرفة الانعاش. فهناك 8 مناصب وزارية خالية على الاقل، ففيما انسحب عنصران رئيسيان، هما حزب الفضيلة ومجموعة مقتدى الصدر من التحالف، انتقلت كتلة اخرى داخل التحالف بقيادة رئيس الوزراء السابق اياد علاوي الى المعارضة فعليا، وظهرت باعتبارها الناقد الاساسي لحكومة المالكي. ويعني هذا ان حكومة المالكي تفتقر الان الى اغلبية فاعلة في الجمعية الوطنية، ونظريا يمكن سقوطها بمجرد طرح الثقة.

والأسوأ من ذلك ان التحالف الشيعي، الذي قدم العنصر الجوهري للاستقرار السياسي بترشيح رئيس الوزراء لم يعد قائما. ومن الواضح الان انه حتى آية الله العظمى علي السيستاني بين متكافئين، ولم يعد يستمتع بالسلطة التوحيدية التي كان يتمتع بها حتى قبل عام.

وربما يكون من السابق لأوانه التحدث عن التحليل السياسي. ولكن الحقيقة هي ان حكومة المالكي لم تتمكن من تنفيذ عناصر رئيسية من البرنامج عبر البرلمان، فمشاريع القوانين الاساسية لصناعات النفط وتوزيع دخل النفط يبقى محصورا في اللجان البرلمانية. وبعض المشاكل المتفجرة، مثل مستقبل كركوك، وهي مدينة يتنازع عليها الاكراد والسنة العرب، وتشكيل هويات فيدرالية، لم تحل بعد.

وقد تسبب ضعف الحكومة في منعها من تحديد موعد للانتخابات البلدية المطلوبة لتشكيل وحدات حكم محلي بدلا من سيطرة الميليشيات الفعلية على العديد من اجزاء البلاد.

وقد شجعت كل هذه التطورات المزيد من الحديث عن انقلاب عسكري في بغداد. وتفضل بعض الجماعات وقوع مثل هذا الانقلاب، انطلاقا من الاعتقاد الخاطئ بان العراقيين لا يمكنهم تنظيم حياتهم بدون شكل من اشكال الدكتاتورية. وتشجع بعض الدول العربية فكرة الانقلاب، وكذلك تركيا التي تشعر بالقلق من احياء الارهاب الكردي باستخدام الاراضي العراقية ضدها.

وما يحتاجه العراق ليس شاربا آخر، بل يحتاج الى اعادة تنشيط حياته السياسية بتشكيل حكومة جديدة مع شركاء جدد، لديها القدرة على الحصول على دعم اكبر داخل وخارج البرلمان، وإذا ما اثبت ذلك استحالته، فإن المخرج هو عبر الانتخابات العامة. الانتخابات القادمة ستجري في يناير 2009. ولكن يمكن تقديم موعدها، بالرغم من ان الاكراد، يأملون في الحصول على كركوك بمساعدة من حكومة شيعية ضعيفة تعارض هذا البديل.

ان قوات التحالف، الذي تقوده الولايات المتحدة، تحقق تقدما مهما في التعامل مع الجوانب العسكرية لهذا الموقف المعقد. ولكن كل هذا التقدم يمكن القضاء عليه اذا لم يحصل العراق على حقوقه السياسية. ولذا فقد حان الوقت للولايات المتحدة وحلفائها لعقد سلسلة من المحادثات الصريحة مع الاحزاب العراقية حول كيفية استخدام النجاح العسكري الحالي كنقطة انطلاق لإنهاء الجمود السياسي.