التايمز
انها السرعة التي يكتب فيها توني بلير خاتمته بأن يكون مبعوث العالم إلى الشرق الاوسط، هي التي تعطي الانطباع باستنفاد الذات. كما أن اندفاع فريقه إلى محاولة الإعلام عن دور من نوع ما له في اليوم الاخير من رئاسته للحكومة البريطانية، يبدو وأنه يستهدف التخفيف من حدة لسعة مشاعر تسليم المنصب الكبير أكثر من كونه يستهدف مشكلات الشرق الاوسط.
لا يتعلق الأمر بأن الفكرة مضحكة إذا ما خطوت لتستعرض دور بلير كواحد من مهندسي غزو العراق ودعمه لعمليات اسرائيل العسكرية في لبنان. ثمة الكثيرون من العرب الذين يشمئزون منه بسبب الدور فقط. وبالنسبة لمنطقة تحتفظ بالكثير من الضغائن بسهولة كبيرة لمئات السنوات، فإن من غاية الصعوبة أن توضع آلام العقد الماضي جانبا. لكن تطلع بلير إلى تناول ومعالجة النزاع الاسرائيلي-الفلسطيني تظل مسألة تذهب إلى ما وراء الجدل والخلاف.
كما ان المشكلة لا تتمثل في دوره المتعلق بالرفع من قدر غوردون براون بذلك المقدار الذي بدا عليه الأمر قبل نحو ثلاثة أسابيع (ولو أنه كان من باب الأدب أن يتم إبلاغ الفريق القادم قبل يوم الاربعاء الأخير، كما يقول الدبلوماسيون ان ذلك كان واقع الحال). وقد أجهض استيلاء حماس على غزة في الأسابيع الأخيرة اقتراح براون البراغماتي والانساني بالتركيز على الاقتصاد الفلسطيني، حتى في الوقت الذي الوضع الذي كانت فيه السياسات متعطلة وآسنة.
لكن المشكلة المعلقة بأي دور يلعبه بلير هي أن من المستحيل تحديد مثل ذلك الدور بينما مساره السياسي القادم يظل غير متضح المعالم، وذلك ما لن يتم تحديد ماهيته في غضون بضع ساعات من النقاش حول ما يفترض فيه أن يفعله. ولعل السرعة التي تمت بها كتابة دور بلير قد تركت السفراء وكبار مسؤولي وزارة الخارجية عاجزين عن النطق في الايام الأخيرة قبل تقاعده، وهم يومئون بقطع الخبر في حفلات الحدائق للتعويض عن هروب الكلمات. وقد جاءت الخطة الرامية إلى جعله مبعوثا للجنة الرباعية -الولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي والامم المتحدة وروسيا- من جهة الولايات المتحدة ومكتب بلير (ووضعت وزارة الخارجية في الصورة الكاملة) مع دعم الاتحاد الاوروبي. وفي النهاية، وفي نهاية الاسبوع، اعطت روسيا موافقتها المجفلة.
سيكون الدور quot;سياسياquot; اكثر منه اقتصادياً، مثل تلك المهمة التي كان قد اضطلع بها جيم وولفنسون، المدير السابق للبنك الدولي الذي كان قد استخدم جهوده (وماله الخاص) في محاولة لبعث الحياة في الاقتصاد الفلسطيني. على الاقل، وقبل إحكام حماس قبضتها على غزة، كان انتهاج مسار السلام-عبر-الازدهار هو اتجاه سياسة براون. وكان قد ارسل quot;اد بولزquot; وزير الدولة في وزارة الخزانة الى المنطقة، حيث توصل بولز الى استنتاج مؤداه ان الانتعاش الاقتصادي هو quot;متطلب مسبق لاحلال السلامquot;.
في كلمة وجهها أخيراً الى العماليين من اصدقاء اسرائيل، وهي مجموعة اللوبي البرلماني، استشهد براون بتقرير صادر عن صندوق بورتلاند الذي كان قد شكله السير رونالد كوهين، والذي قال إن تطوير اقتصاد ايرلندا الشمالية ينطوي على دروس مفيدة للفلسطينيين. وتكمن نقطة الجذب في أنه حتى عندما تتفكك الدبلوماسية، فإن التركيز على الاقتصاد يمكن ان يحسن من الوضع. ويضم تقرير بورتلاند تحليلا ممتازا للأسباب التي جعلت من هذا المبدأ مجدياً في حالة إيرلندا الشمالية. لكن ذلك غير ممكن التحقق وسط الفوضى، وربما تكون تلك هي الحالة الماثلة في الضفة الغربية وغزة الآن.
تتمثل الخطة الاميركية-الاسرائيلية الآن في صب الموارد في الضفة الغربية، وجلب محمود عباس الرئيس الفلسطيني الى شاطئ الامان، في وذلك لجعل الاختلاف والتناقض بين الضفة وغزة على أكبر قدر ممكن. لكن المخاطر ضخمة. فعباس لن يرغب التخلي عن الفلسطينيين البالغ عددهم 1,4 مليون شخص في غزة (ولا أن يبدو بيدقاً بيد أميركا وإسرائيل). ولعل اي بعث لاقتصاد الضفة الغربية سيعتمد على تخفيف اسرائيل من القيود المفروضة على تحرك الفلسطينيين كما ورد في تقرير للبنك الدولي في الشهر قبل الماضي، والذي انتقد وبوتيرة عالية السياسات الاسرائيلية. ومع ذلك، فإنه يمكن لاسرائيل ان تقول بأن هذا سيعرضها الى تهديدات امنية لا يمكن تحملها، ذلك أن لحماس تواجداً يعتد به، والذي لا يبدو وأنه في طور الأفول.
ربما يشعر بلير بأن هذا الشلل يصب لصالح مكامن قوته. ذلك أن نجاح المباحثات في ايرلندا الشمالية، والذي يقال انه اعظم انجاز له، قد نبع من مهاراته كوسيط. وقد كان دائما مقتنعا، كما يقول المسؤولون، بأنك اذا ما انحنيت على المائدة، مرتدياً قميصاً بأكمام، وأنت تنظر الى الجانب الآخر في عيونه، فإن بوسعك أن تتوصل الى صفقة. ولا شك في أن تلك هي الكيفية التي استطاع بها أن يتوصل الى صفة نهاية الأسبوع مع الاتحاد الاوروبي بحزم كبير، محتفظاً بالمصالح البريطانية.
لكنه يمكن للتكنيك أن يمكن ان يخفف كثيراً من وزن التغييرات العميقة التي تجعل الصفقات تعمل. ففي ايرلندا الشمالية، مهد أفول سلطة بلير الاقليمية الطريق. ولا يستطيع اي وسيط، مهما كانت شخصيته كارزمية، ان يحظى بهالة رأس حكومة. وفي اندفاعة بلير إلى أن يكون شخصية جديدة، في واحد من أشد النزاعات مرارة، فإن من الصعب أن لا يشعر المرء بحالة من الضرورة الشخصية التي تتسم بتعثر إيقاع الخطى وخروجها على إيقاع أزمة المنطقة.
التعليقات