عبد الرحمن الراشد
لو أن زمرة من المتطرفين احتلوا أي مسجد أو مدرسة في أي مكان من العالم لكانت نهايتهم نهاية المسجد الأحمر في اسلام اباد، ربما كان الهجوم أبكر والنار أعظم. والذين انتقدوا الرئيس الباكستاني برويز مشرف لأنه هاجم المتطرفين في المسجد لم يقولوا ما الحل امام الدولة التي وجدت نفسها وجها لوجه مع حركة متطرفة استولت على مؤسسة تعليمية ودينية مارست سلطتها فوق سلطة الحكم المحلي وخزنت السلاح وأعلنت رسميا العصيان والحرب على المجتمع الذي تعيش فيه.
الحقيقة ان الرئيس مشرف رغم انه جاء من خلفية عسكرية، وعرف بشخصيته الحاسمة، ترك المسجد الاحمر في شأنه رغم ما ظهر من قادته من بيانات تهديدية بتطبيق ما سموه الشريعة بأنفسهم، وسكت على استعراضاتهم فوق سطوح المجمع الديني التي ظهرت على معظم شاشات العالم. وعندما قررت السلطات الامنية اقتحام المكان أعطاهم مشرف فرصة اخيرة للاستسلام وانتظرت قواته اياما خلف الجدران.
الحقيقة انه لا توجد دولة واحدة في العالم تقبل بتمرد كما جرى في المسجد الاحمر، ولا اظن ان هناك زعيما يستطيع الصبر كما فعل مشرف. هاهي ايران اعتقلت لفيفا من الطلبة رغم انهم لم يحملوا سلاحا، وكل جرمهم ان احدهم وقف في القاعة وصاح بأعلى صوته لا للدكتاتور احمدي نجاد. في اسلام اباد كرر المتطرفون مظاهراتهم في الشوارع يحملون صورا مشوهة لمشرف، ودمى له معلقة على المشانق ووقفوا في وسائل الاعلام المحلية والدولية يشتمونه ويهددونه ومع هذا تركهم يعبرون عن كرههم بكل حرية.
ومع ان مشرف ليس بالزعيم الديموقراطي الا ان تاريخ باكستان الحديث يشهد بان حكمه اقل فسادا من كل الحكومات المنتخبة والانقلابية الماضية. كما ان مشرف يمر بمرحلة قلاقل تحركها اطراف مختلفة ضده، لكنه اثبت انه اكثر شجاعة مما كانوا يتصورون. فلم يهزه تفجير موكبه، او اطلاق النار على طائرته، او التآمر لاغتياله من الداخل، ونجح حتى الآن في المحافظة على النظام الباكستاني من التدهور الذي تدفعه اليه قوى محلية خسرت الحكم، وخارجية تريد اشعال حرائق في الداخل من اجل ارباك المعادلة الاقليمية.
ومهما قيل في شأن المخالفات التي يتهم بها نظام مشرف بإقصائه رئيس القضاء المتطرف او عرقلة الحركة الديموقراطية فهذا لا يبخسه حقه في ثلاثة ميادين، محافظته على استقرار باكستان في وجه اكبر هجمة ارهابية موجهة ضد البلاد، والسماح بحريات التعبير الاعلامية والمنبرية السياسية المعارضة رغم حدتها ونجاحها في التحريض ضد نظامه، وأخيرا النجاح الاقتصادي رغم ارتفاع اسعار النفط. وبالتالي فان الذين يهاجمونه لإعاقته الديموقراطية، وإمساكه بالقيادة العسكرية ورئاسة الدولة معا، ينسون انه ربما لولا مشرف اليوم لسقطت باكستان في اتون الفوضى.
التعليقات