سعد محيو


إصرار الرئيس الأمريكي بوش على ldquo;مواصلة النهجrdquo; في العراق، برغم انتفاضة بعض الصقور الجمهوريين عليه في الكونجرس، أمر مثير للغاية، إن لم يكن غريباً للغاية.

فما نحن امامه ليس رئيساً عنيداً فحسب، بل هو ldquo;لا سياسيrdquo; أيضاً (إن جاز التعبير). وهذا أمر قد يكون غير مسبوق في واشنطن التي اشتهرت على مدار التاريخ بأنها السوق الرئيس للمساومات، وتجارة الخيول، والصفقات من تحت الطاولة، خاصة بين الرئيس والكونجرس.

كان الجميع ينتظر من بوش في مؤتمره الصحافي الأخير أن يقدم ما يمكن أن يرضي قاعدته الجمهورية المتململة، بسبب اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية والتشريعية، عبر الإعلان عن الخطوط العامة لخطط الانسحاب الأمريكي من بلاد الرافدين. لكنه فعل العكس تماماً، حين هدد باستخدام حق النقض (الفيتو) ضد أي قرار في الكونجرس يفرض على الإدارة سحب القوات الأمريكية خلال فترة زمنية محددة.

لماذا فعل الرئيس الأمريكي ذلك؟

العناد، كما قلنا، وارد كتفسير، وأيضاً الأيديولوجيا التي تجعله يعتقد انه على صلة مباشرة بعناية إلهية تسدد خطاه وترشد قرارته. لكن هناك أيضاً الاجندات الخفية التي تجعل محللين استراتيجيين أمريكيين كباراً يتخوفون من وجود أطراف أمريكية فاعلة تريد توسيع إطار الحرب بدل تقليصها.

أحد هؤلاء هو بريجينسكي الذي حذَر مؤخراً من أن هناك شخصيات في البيت الأبيض والبنتاجون تسعى لتمديد حرب العراق إلى إيران وسوريا. وبرغم أنه استبعد نشوب الحرب قريباً، إلا أنه قال إن ldquo;المضاعفات غير المقصودةrdquo; واردة دوماً، وأن حادثاً مثل ذلك الذي تعرض له البحارة البريطانيون في مياه الخليج، قد يكون ذريعة لشن الحرب.

هذه التحذيرات تعطي بعداً آخر لاستفاضة بوش في مؤتمره الصحافي في الحديث عن دور إيران وسوريا في الحرب ضد أمريكا في العراق:

فهو تناول بالتفصيل ما أسماه الخطر الذي يمثله النظام الإيراني وبرنامجه النووي وتهديداته بتدمير ldquo;إسرائيلrdquo;، وتزويده المتطرفين في العراق العبوات الناسفة لقتل الجنود الأمريكيين.

وهو قال إن ldquo;إرهابيي حزب الله أنفسهم الذين يشنون الحرب على قوى الديمقراطية في لبنان يتولون تدريب المتطرفين على القيام بالممارسات ذاتها ضد قوى الائتلاف في العراق. والنظام السوري ذاته الذي يوفر الدعم والملجأ لتنظيم الجهاد الإسلامي وحركة (المقاومة الإسلامية) حماس يرفض إقفال مطاره في دمشق في وجه الانتحاريين المتوجهين إلى العراق. وهو عرض لنشاطات إيران وسوريا في العراق ldquo;لتعزيز الاضطراباتrdquo;rdquo;. واعتبر أن سياسة إيران في العراق تهدف إلى إلحاق الهزيمة بالولايات المتحدة ldquo;من خلال التمويل المباشر والدعم المادي للهجمات على القوات الأمريكية وعلى المدنيينrdquo;. كما أنه اتهم إيران ldquo;بمواصلة تدريب وتمويل الفئات المتطرفة، من سنية وشيعية، التي تهاجم القوات الأمريكية داخل بغداد والمحافظات في جنوب العراق وحولهاrdquo;. وقال إن ldquo;المقاتلين الأجانب، وخصوصاً الانتحاريين، يواصلون استخدام الأراضي السورية نقطة عبور أساسية الى العراق، وتسمح الحكومة السورية ايضا لمنظمي عمليات التمرد ومموليها بالعمل في دمشق... وتقويمنا هو ان نحو 80 في المائة من الانتحاريين هم مقاتلون أجانب، واكثريتهم تأتي إلى العراق عبر سوريا، وهم يصلون من دولهم الأصلية جواً عبر مطار دمشقrdquo;.

لا، بل كان بوش حريصاً على التشديد أن ما زعم أنه ldquo;الشبكة السورية توفر ما بين 50 و80 انتحاريا لتنظيم القاعدة في العراق شهرياًrdquo;.

هذه ليست اتهامات عادية من رئيس عادي. إنها إضبارة خطيرة تريد أن تقول إن أمريكا تتعثر في العراق ليس بسبب العراقيين، بل بسبب السوريين والإيرانيين. وهذا أمر يشبه كثيراً خطب الرئيس الأسبق جونسون التي سبقت قراره بتوسيع الحرب الفيتنامية لتشمل كل منطقة الهند الصينية.

فهل يصل بوش إلى هذا الحد؟ هل يتخذ مثل هذا القرار، خاصة إذا ما حدثت ldquo;مضاعفات غير مقصودةrdquo; بين أمريكا وبين كل من سوريا وإيران؟