ديفيد اغناتيوس - واشنطن بوست



المرة الاخيرة التي اتذكر فيها تحذير السفير ريان كروكر بخصوص احتمال وقوع حمامات دم، كانت في شهر سبتمبر 1982، خلال مذبحة صبرا وشاتيلا في بيروت. ولذا فعندما يقول كروكر لصحيفة laquo;نيويورك تايمزraquo;، ان الانسحاب السريع للقوات الاميركية من العراق يمكن ان يؤدي الى مأساة انسانية على نطاق اوسع، علينا الانتباه. فقد شاهد الامر من قبل.

ووصف وزير الخارجية العراقي هوشيار زيباري الاخطار بوضوح يوم الاثنين، خلال شرحه ما يمكن ان يحدث اذا ما سحبت الولايات المتحدة قواتها بسرعة من العراق: laquo;الاخطار يمكن ان تصبح حربا اهلية تقسم البلاد، وحربا اقليمية وانهيار الدولةraquo;.

هذه هي الاخطار التي ستكون حاضرة خلال مناقشة مجلس الشيوخ مشروع قانون التفويض العسكري هذا الاسبوع. وتقيس الوفيات اليومية التكلفة التي تدفعها اميركا والعراقيين، ولكن كروكر وزيباري محقان في تحذيرهما بأن الانسحاب الاميركي المفاجئ يمكن ان يكون اكثر كلفة: العنف الذي يدمر العراق يمكن ان ينتشر عبر المنطقة، جحيما يمتد عبر لبنان والأراضي الفلسطينية والأردن وسورية، بل حتى مصر والسعودية، عواقبه وخيمة على الأمن العالمي.

لقد كان دخول العراق قرار الرئيس بوش، وسيحكم التاريخ على ادارته حكما متشددا، بسبب اخطاء مرحلة الاحتلال بعد الحرب. ولكن الخروج من العراق هو الان، جزئيا، في يد الديمقراطيين الذين يسيطرون على المجلسين في الكونغرس. ولن يغفر لهما التاريخ اذا ما ادت دعوتهما للانسحاب بسرعة الى اضرار دائمة.

ان المناقشات حول العراق في واشنطن هذا الاسبوع حادة وغاضبة. ولكن كما هو الامر في النزاع الفلسطيني، يخفي الخطاب الناري حقيقة وجود اجماع ناشئ حول ماهية النتائج النهائية. فالقادة على الجانبين يقرون الاستراتيجية العامة التي اقترحتها، في شهر ديسمبر الماضي مجموعة دراسة العراق: انسحاب تدريجي يحول المهمة الاميركية الى التدريب وحماية القوات ومكافحة الارهاب وأمن الحدود. وهذه الصيغة تحظى بدعم واسع من اعضاء الكونغرس والمسؤولين في الادارة، على حد سواء. وكما شرح مسؤول كبير في الادارة الامر، laquo;حيث يتفق الجميع على رغبتك في الذهابraquo;. المشكلة هي تحقيق ذلك.

ان العناصر الاساسية للتوصل الى حل وسط ضروري لا تبدو بهذا التعقيد. الديمقراطيون يحتاجون الى ضمان بأن القوات تبدأ في الانسحاب، والإدارة في حاجة الى ضمانات بأنها لا تنسحب بسرعة بحيث تضعف الأمن الاقليمي.

ويبدو ان وزير الدفاع روبرت غيتس يدرك ما هو ضروري من الناحيتين العسكرية والاستراتيجية، إذ يتردد انه يفضل ان يجري الإعلان بنهاية شهر سبتمبر المقبل عن سحب الولايات المتحدة جزءا من قواتها من العراق قبل نهاية العام كمؤشرعلى التزامها بإعادة الانتشار بعد مرحلة زيادة القوات. فرصة تقليص حجم القوات الاميركية على نحو معقول ستظهر خريف هذا العام، اثر خروج كتيبتين تضمان عدة الاف من الجنود والضباط، احداهما كتيبة تابعة لمشاة البحرية متمركزة في محافظة الأنبار، حيث تحاول الولايات المتحدة ان تحقق نجاحا في الجانب الأمني. ولعل افضل وسيلة لتسليط الضوء على ما جرى تحقيقه في محافظة الأنبار هو خفض حجم القوات فيها.

ثمة فرص اخرى للتسوية، تتمثل في اصدار الامم المتحدة قرارا يصادق على وجود القوات الاميركية في العراق، إذ من المقرر تجديد التفويض خلال العام الجاري. ويريد رئيس الحكومة العراقية، نوري المالكي، من جانبه خطة لخفض عدد القوات الاميركية في بلده، وهو ما يطالب به أعضاء الكونغرس ايضا. وهنا تظهر الفرصة الحقيقية لإعداد جدول زمني يجري التفاوض حوله بشكل مشترك بين الدبلوماسيين الاميركيين والعراقيين، بدلا عن فرضه من جانب الكونغرس. ويمكن القول ان هذه افضل هدية يمكن ان تقدمها الولايات المتحدة للحكومة العراقية، الإعداد المشترك لـlaquo;تحريرraquo; العراق من الاحتلال الاميركي، ولكن laquo;شوية شويةraquo; كما يحلو للعرب ان يقولوا.

كان يقال ان الفلسطينيين laquo;لا يضيعون فرصة لإضاعة الفرصةraquo;. وللأسف انطبق هذا القول على ادارة بوش خلال العام المنصرم عندما فضلت صياغة سياسة مشتركة من جانب الحزبين الجمهوري والديمقراطي تجاه العراق. وكان الإعلان عن توصيات لجنة بيكر-هاميلتون في ديسمبر الماضي بمثابة فرصة أضاعتها ادارة الرئيس بوش. ثمة فرصة اخرى ظهرت في مايو الماضي، عندما اعلن بوش نفسه ان استراتيجيته المستقبلية في العراق تقوم على اساس خطة بيكر-هاميلتون، لكنه لم يمض قدما في ذلك.

كان يجب على بوش جمع أعضاء مجموعة دراسة الوضع في العراق في البيت الأبيض في اليوم التالي للإعلان عن التوصيات، وإرسالهم لزيارة أعضاء الكونغرس. آسف سيادة الرئيس، ولكن عضوي اللجنة الديمقراطيين فيرنون غوردان وليون بانيتا يمثلان الآن افضل أعضاء لوبي اكثر من أي شخص في البيت الأبيض.

ثمة اتفاق واسع على ان الحاجة الى وضع سياسة العراق في مسار يمكن المضي فيه قدما على اساس السحب التدريجي للقوات الاميركية من العراق، من دون حدوث حمام الدم، الذي يثير خوف اشخاص، مثل ريان كروكر في بغداد. إلا ان بوش والديمقراطيين لم تعد في جعبتهم فرص كافية لحدوث ذلك.