د. حسن مدن


يستحق المسلسل السعودي الشهير ldquo;طاش ما طاشrdquo;، في نسخته الخامسة عشرة، وقفة أخرى غير هذه ستكون قريبة، ولكني أود اليوم التوقف أمام الحلقة القيمة من المسلسل التي شاهدناها منذ يومين بالعنوان الذي تجدونه على رأس هذا المقال.

القائمون على المسلسل لم يترددوا في اقتحام أعشاش الدبابير غير آبهين بردود فعلها العنيفة، مستهدفين بالنقد الشجاع معاقل الفكر المحافظ المعيق للتقدم، الذي يريد إبقاءنا أبد الآبدين خارج العصر واستحقاقه.

لكن الحلقة المشار إليها تقرع وبذات القدر من الشجاعة من يطلقون على أنفسهم لفظ الليبراليين، وللأمانة فإن حلقة المسلسل تحرص على إبراز الفروق الجوهرية بين شرائح هذه المجموعة، مميزة بين من يمتلكون الوفاء للفكرة الليبرالية والشجاعة في الذود عنها، وشرائح عاطلة عن الإنتاج تلوك أمجاد ماضيها الشخصي الذي يبدو بعيداً، وتعوض عن فشلها وعجزها بلوك الشعارات المكررة الأشبه بالرطانة الدوغمائية في جلسات السمر.

لا تتردد الحلقة أيضاً في كشف زيف خطاب هذه الشرائح الواقعة في ازدواجية فاقعة، بين الكلام المنمق الذي تكرره بعد أن تدور الرؤوس بفعل ما في الكؤوس المترعة، والممارسة التي تنم عن شخصيات مزيفة عاجزة عن التأثير حتى في توجيه أبنائها وجهة سوية.

حين تأزف لحظة الحقيقة، أي حين يتعين على المثقف الذي يصف نفسه ldquo;ليبرالياًrdquo; أن يتخذ موقفاً شجاعاً إزاء السلطة، نرى جل هؤلاء الأفراد يهربون من المسؤولية كالأرانب الوجلة، إما إلى السلبية والانكفاء على الذات ومعاقرة الخمرة، أو الغرق في تهويمات ldquo;شعريةrdquo; أو ldquo;أدبيةrdquo; لا معنى لها، مذكرين إيانا بذلك التوصيف المدهش الذي قدمه تشيخوف في قصة ldquo;الأقنعةrdquo; للسلوك الجبان للمثقف الانتهازي.

لذا يبدو معبراً ما قاله كاتب الحلقة د. عبد الرحمن الوابلي على لسان إحدى شخصيات المسلسل: الكاتب الصحافي عبدالله والتي جسدها الفنان ناصر القصبي: ldquo;أخشى ما أخشاه أن تكون ldquo;الليبراليةrdquo; في المجتمع السعودي كذبة اخترعها المحافظون ليشرعنوا وجودهم ويضمنوا استمرارهمrdquo;.