عبدالله العوضي

علق أحدهم على اغتيال quot;بينظير بوتوquot; قائلاً باختصار: نحن عالم ثالث ننتقل من فوضى إلى أخرى، وعندما نريد الارتقاء إلى العالم الثاني عبر سلم الديمقراطية، نطلق عليها رصاصة لا تعرف غير الغدر في وضح النهار لتقفز بنا إلى العالم الرابع، وتلغي في الوقت نفسه مسمى العالم الثالث الذي مللنا من ترداده، فإلى متى يستمر استحكام الفوضى في مجريات حياتنا السياسية فضلاً عن المجالات الأخرى والتي لا تخفى عن الأنظار على مدار الزمن الذي ظلمناه وحرمناه من إنصافنا، كما هو شأن الآخرين الذين يغطون آمنين في كنف الديمقراطية التي تتعرض للعنات والشتائم الغليظة، رغم ضعف البدائل واهترائها عند طرحها.

quot;بينظيرquot; باكستان حالة ليست الأخيرة في سلسلة متوالية سبقتها في لبنان مرات ومرات وفي السودان وفي (فلسطين واحد) في الضفة و(فلسطين اثنين) في غزة، وفي الصومال التي عرفت بالحكومات السبع التي نافست عجائب الدنيا السبع وغرائبها، وفي الجزائر مروراً بموريتانيا وأخريات من أمثالها أزواج شتى لم تلتق على مائدة الوئام والانسجام، وقد تراجعت مراتبنا في الديمقراطية مقارنة بدول لم تمر في بال أو خيال الديمقراطية ذاتها، ولكنها وقعت أخيراً في حبها، وليس أدل على هذا الغرام من دول أوروبا الشرقية التي كانت تحت جناح ديكتاتورية الاتحاد السوفييتي لأكثر من سبعة عقود لم يتذوقوا من السياسة سوى نارها وحديدها، إلا أنها وعت إلى نفسها وتحملت التضحيات كلها من أجل نسائم الديمقراطية التي تقود مسيرتها هذه الأيام، وإن كانت تعاني أحياناً من بعض الشوائب التي تعكر مزاج الضالعين في المسار الديمقراطي من المتقدمين عليها، إلا أنها زجت تلك الدول بنفسها في هذا المركب الجديد بلا تردد ولا أدنى تفكير بالتراجع إلى زمن الخوالي السيئ الصيت.

يظن البعض أن الديمقراطية فقط آلة أو آلية لحكم المجتمعات المتقدمة ويغفل عن أمر أهم من ذلك بكثير، فهي قبل كل شيء سلوك ووعي متجذر، أي بمعنى أن التنشئة الاجتماعية جزء مكين من أجزائه، فالقفز إلى الديمقراطية الحاكمة مرة واحدة لا يختلف عن القفز على ظهر دبابة حاكمة.

فالطريق إلى الديمقراطية في العالم الثالث طويل وخاصة إذا ما تضرجت بدماء دعاتها ولم تجد الدعم الشعبي لها في هذا المشوار الذي بدأ مخيفاً ولا يكتمل إلا مرعباً، وكأن المقصود هو الإشارة إلى عدم التفكير في هذا النهج وفي بلدان محددة أو في مجتمعات معينة ترنو أو تهفو أفئدتها إلى مسار جديد يغير وينهي فترة الركود والملل الذي أصاب حياتها الطبيعية في مقتل.

في ذات الوقت هناك نوع من الديمقراطية الشكلية والبعيدة عن الموضوعية، يسود الدول التي تضيق ذرعاً بالحديث عن الديمقراطية وتتململ كثيراً عندما يشتد عود المطالبات بذلك، وبناء عليه تقوى ساق الديكتاتوريات حتى المظللة بلبوس من الديمقراطية الرقيقة أو الشفافة، والمحصلة النهائية أنها تلتف خلسة على ساق الديمقراطيات النابتة حديثاً أو التي لا زالت طرية العود للوقوف على قدميها.

إننا أمام ظاهرة شائكة على طول حدود الاشتباك مع نداءات الديمقراطية الحقة، والأكثر إيلاماً، عندما نجد للدول الراعية لهذا النهج تشجيعاً مبطناً في الغالب وظاهراً على العيان أحياناً بتبريرات عن المصالح البراجماتية التي تتصالح مع الأنظمة المعروفة بالعمق الديكتاتوري في توجهاتها مما يفقد الكثير من هذه الدعوات رونقها الذي ظل يسطع عقوداً في سماوات العالم الثالث، وقد انتكست الآمال والحقائق التي اعتمدت عليها لتقوية ظهور الديمقراطية الناشئة بدل اغتيالها علانية بلا حياء أو استحياء.