جاسم بودي

صباح الخير يا صاحب السمو ... نخاطبكم في مطلع العام الجديد وأنتم الذين تفتحون بابكم لكل طلب وآذانكم لكل رأي وقلوبكم لجميع أهل الكويت. هكذا علمتمونا... وبمثل هذه العلاقة بين الحاكم والمحكوم تحصنت الديرة تاريخياً من تحديات الخارج وانقسامات الداخل.

صباح الخير يا صاحب السمو ... مع مطلع كل صباح تشرق شمس الأقاويل والإشاعات عن أزمة وأخرى، ويكثر الحديث الآن، والآن تحديداً، عن قرب الحل الدستوري لمجلس الأمة على خلفية استجواب جديد وتصعيد جديد. وما كنا نتمنى يا صاحب السمو ان نخاطبكم بشكل علني لكن الموضوع خرج إلى العلن، وصار قضية عامة تهم أهل الكويت... جميع أهل الكويت.

نعلم يا صاحب السمو أنكم غير راضين عن تعرقل مسيرة التنمية في الكويت والشلل الذي يصيب المشاريع، ونعلم أنكم تودون أن يكون مسار العلاقة بين السلطتين أفضل لمصلحة الكويت والكويتيين وقد عبرتم عن ذلك مراراً في نطقكم السامي ولقاءاتكم العامة والخاصة وكنتم تتحدثون بحق بلسان أهل الكويت المستائين من مسار الأمور. ولا حاجة للقول ان الحل الدستوري في يدكم طبعا يا سمو الأمير فأنتم المؤتمن الاول على الدستور والقانون، واي اجراء تتخذونه في هذا الاطار سيكون موضع تنفيذ وتقدير... ومع ذلك ليتسع صدرك لكلمة كويتية.

مجلس الأمة وعلى رغم كل الملاحظات (وجلها صحيح) هو في رأي الكثيرين المشكلة الثالثة في ليل الأزمات الطويل.

المشكلة الأولى يا صاحب السمو ان الأسرة الحاكمة ليست على قلب واحد، فالتجاذبات فيها لم تعد سراً، والاستقطابات التي يجريها laquo;أقطابraquo; في الأسرة لنواب ووزراء وهيئات شعبية تصلكم وتصلنا نتائجها من خلال المواقف التي تعلن يومياً، وتصفية الحسابات من أجل مصادرة أدوار أو استعادة أدوار أو الحصول على أدوار تتم على قدم وساق ليس من وراء ظهر السلطة بل من أمامها وتحت ناظريها أحيانا... والمشكلة يا صاحب السمو أن المصالح وحب السلطة والتسابق والاستعجال خرقت القواعد وضربت القيم وتجاوزت معايير الاحترام للمواقع والاعمار.

واننا إذ نتحدث عن مشكلة معينة يا صاحب السمو تتعلق بالأسرة فإنما نفعل ذلك لأنها أسرة حكم ولأنكم حكامنا، والموضوع هنا يتجاوز الجانب العائلي المحض إلى الشأن العام كون النظام هو عمود خيمته. وهذه المشكلة يا صاحب السمو حلها في يدكم وحدكم وجميع أهل الكويت خلفكم في ما تقررون... مهما كان القرار كبيراً، ومن المؤكد أن حل المجلس لن يساعد في حل المشكلة الأولى بل هو يقينا سيفاقمها ويسكر laquo;الأقطابraquo; بنشوة laquo;النصرraquo; فيتمادون في laquo;احتفاليتهمraquo; الزاحفة على استقرار المؤسسات.

والمشكلة الثانية هي الحكومة بتركيبتها وأدائها، مع العلم ان جزءاً أساسياً من سلبياتها يعود إلى المشكلة الأولى، مشكلة الصراع بين أقطاب في الأسرة. فالمنطق يقول إن رئيس الوزراء المسمى بقرار سام وهو محط ثقة الأمير، يجب أن يكون نقطة التقاء جميع أبناء الأسرة بمختلف توجهاتهم ومصدر دعمهم الدائم لكن ذلك لا يحدث ويبدو أنه لن يحدث. تكفي نظرة واحدة إلى التجارب التي مرت بها الحكومة لادراك حجم الاستقطابات التي حصلت وحجم الاستثمار الذي قام به laquo;أقطابraquo; لاشعال أزمات أو الاستفادة منها... أو حجم الوعود التي تحولت سراباً تحت قبة البرلمان ومع بدء المواجهات. خسرت الحكومة يا صاحب السمو جزءاً كبيراً من التعاون مع المجلس فيما كان laquo;الأقطابraquo; منشغلين باحصاء laquo;مكاسبهمraquo; الشخصية التي حصدوها على حساب هيبة النظام. وأيضاً وأيضاً، فان حل مجلس الأمة لن يساعد في حل مشكلة الحكومة بل سيزيد من شهوة البعض للانقضاض وتكريس laquo;محمياتraquo; سياسية وlaquo;كانتوناتraquo; ولائية.

المشكلة الثالثة بالتأكيد هي مجلس الامة، فهو ليس مكاناً يجتمع فيه خمسون ملاكاً. هناك انحراف واضح في ممارسة الدور الرقابي والتشريعي، وهناك أولويات شخصية ومناطقية وطائفية وقبلية، وهناك حسابات انتخابية ضيقة تحكم العلاقة مع الحكومة، وهناك مشاكسون ومعارضون وموترون ومصعدون... كل ذلك صحيح، لكن هناك أيضاً حكماء وعاقلين، وهناك علاقة طويلة غير صحية وغير سليمة بين المجلس والحكومة، فالخلل الممتد لعقود لا يحل بيومين. المهم أن حل المجلس بالتأكيد لن يكون ضمانة لعدم وصول مجلس شبيه تماما بالحالي بل قد يصل مجلس مماثل مع انسحاب نواب من مقاعد الموالاة إلى معسكر المعارضة. ألم يحصل ذلك بعد معركة الدوائر الشهيرة؟

الحل طبعاً في إعادة الاعتبار إلى المؤسسات من دون تدخل سلطة في شؤون الأخرى، فالديموقراطية كفيلة بتصحيح نفسها، اما تدخل laquo;مؤسسة الاقطابraquo; في شؤون المؤسسات الدستورية فهو أمر حسمه بيدكم لأنك الكبير ولا يرد للكبير طلب. مؤسسة الحكم يجب أن تعود لها هيبتها بإجراءات سريعة وفاعلة، تقديرها لكم يا صاحب السمو، من أجل اصطفاف جميع أبناء الأسرة خلف النظام الحازم والعادل من دون أجندات خاصة. وحين تنكفئ laquo;مؤسسة الأقطابraquo; لحساب laquo;مؤسسة النظامraquo; تخف تدريجياً العوائق من أمام العمل الحكومي من جهة ومن أمام العلاقة بين المجلس والحكومة من جهة أخرى، وساعتها يمكن البناء على المرحلة الجديدة... وساعتها لكل حادث حديث.

صباح الخير يا صاحب السمو

يكفينا فخراً ككويتيين أن حاكمنا يفتح قلبه قبل بابه لأي رأي أو اقتراح أو نصيحة، ويفتح عقله لكل مقاليد الحكمة قبل اتخاذ القرار... وجميعنا تحت سقف القرار، أي قرار، كي تبقى صباحاتنا نابضة بالحياة والأمل والتفاؤل.