كارولين ليدي - لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست

إن رشوة الإرهابيين لا تجدي نفعاً، وإنما تشجعهم عادة على المزيد من الإرهاب. ونفس الشيء يمكن أن يقال عن الانتشار النووي. فالدول التي تنتهك قوانين منع الانتشار النووي، عادة ما تقبل الرشوة، ثم تميل بعد ذلك لإخفاء تفاصيل برامجها قبل أن تسمع بعد ذلك أنها أجرت اختباراً نووياً. وهذا هو السبب الذي دعا الكثيرين من خبراء مكافحة الانتشار النووي، إلى الترحيب بتنصل الرئيس بوش من quot;اتفاقية الإطارquot; مع كوريا الشمالية، وهو أيضاً ما دعاني لترك وظيفتي في إدارة بوش، بعد أن عملت لخمس سنوات متواصلة معها في مجال مكافحة الانتشار النووي.

كان 31 من ديسمبر هو التاريخ المحدد لقيام كوريا بـquot;تعطيلquot; منشأة quot;يونج بيونquot; النووية التابعة لها، وتقديم بيان كامل بكافة برامجها ومنشآتها النووية. بيد أن الذي حدث هو أن quot;بيونج يانجquot; لم تلتزم بهذا التاريخ، وكان كل الذي فعلته وزارة الخارجية الأميركية إصدار بيان صحفي باهت تصف فيه عدم الالتزام بالميعاد من جانب كوريا بأنه من قبيل quot;سوء الحظquot;. ولم يكن البيان الصادر عن البيت الأبيض في هذا أفضل من ذاك الصادر عن وزارة الخارجية.

ومن المعروف أن معظم خبراء مكافحة الانتشار النووي لم يكونوا سعداء بالاتفاقية التي توصلت إليها الإدارة الأميركية مع كوريا الشمالية في شهر فبراير الماضي، وهو ما يرجع إلى حد كبير لحقيقة أنهم كانوا قد تعرضوا للتهميش خلال السنوات الماضية في المسائل المتعلقة بالأمن القومي. ومن الأمثلة على ذلك أن المفاوضات التي جرت بشأن الاتفاقية النووية مع الهند قد جرت في ظل غياب شبه كامل للكثير من خبرائنا الكبار، وأن الحوار الذي دار مع الحلفاء بشأن برنامج إيران النووي قد أُجري على المستوى السياسي فقط.

وبالنظر إلى تاريخ كوريا الشمالية، فإن عدداً قليلاً فقط من الخبراء هو الذي كان مندهشاً من السهولة التي تم بها التوصل إلى الصفقة مع تلك الدولة بواسطة المسؤولين الأميركيين السياسيين أو المختصين في الشؤون الإقليمية. وما حدث في ذلك الوقت هو أنه قد جرت طمأنتنا بأن الرئيس بوش شخصياً لديه رغبه في السعي -من خلال عملية المفاوضات السداسية- للتوصل إلى وضع نهاية لبرنامج الأسلحة النووية الكوري الشمالي. ولكي ندعم رغبة الرئيس فإننا عملنا جاهدين على تعريف المصطلحات المُبهمة التي وضعها المتفاوضون مثل quot;البرامج النوويةquot; وquot;التعطيلquot; وغيرها من المصطلحات.

ولم يكن هذا هو كل ما عانى منه خبراء مكافحة الانتشار النووي وأخصائيو التدقيق النووي، حيث تعرضوا أيضاً لاتهامات بعدم الولاء للإدارة، والسذاجة السياسية، إضافة إلى التهوين من شأن خبراتهم. وعلى رغم ذلك واصل هؤلاء الخبراء -وكنت بينهم- المحاولات الرامية لتعزيز المساعدة المقدمة للرئيس من قبل وزارة الخارجية، وسد الفجوات الصارخة التي تمت ملاحظتها في الاتفاقية.

وفي النهاية أصبح من الواضح بالنسبة لنا أن عملية التقييم الأمين للمعلومات المتعلقة ببرنامج كوريا الشمالية النووي، لم تكن لها أي أهمية، بالنسبة لـquot;الخبراءquot; الأميركيين المختصين بالشؤون الإقليمية الآسيوية الذين كان كل ما يهمهم هو التوصل إلى صفقة فحسب. وبعد أن توصلوا إلى هذه الصفقة أصبح كل ما يهمهم هو إبقاء تلك الصفقة طافية على رغم استمرار العناد والتصلب الكوري الشمالي.

في الخريف الماضي أدلى quot;كريستوفر هيلquot; المفاوض الأميركي الرئيسي في المفاوضات السداسية الأطراف بشهادة أمام الكونجرس قال فيها إن إجراءات quot;التعطيلquot; التي كانت مستمرة آنذاك في منشأة quot;يونجبيونquot; النووية الكورية ستنهي quot;بشكل فعالquot; قدرة كوريا الشمالية على إنتاج البلوتونيوم بنهاية العام الحالي، وأن برنامج تلك الدولة الخاص بتخصيب اليورانيوم سيتوقف عن العمل بدوره. وعلى رغم ذلك فإن التقارير الصحفية التي كنا نقرؤها حول هذا الموضوع، كانت تفيد أن أنشطة التعطيل في quot;يونجبيونquot; قد تباطأت، حتى أصبحت تسير بسرعة السلحفاة، قبل أن تطلع كوريا الشمالية علينا وتعترف بأنها قد أوقفت جميع أنشطتها النووية.

لو كان الأمر مجرد عدم التزام بتاريخ محدد، فإن ذلك يمكن بالكاد أن يكون سبباً للقلق والاهتمام، خصوصاً إذا ما علمنا أن التاريخ المحدد كما جاء في الأنباء قد أُدخل ضمن الصفقة بناء على إصرار من الرئيس بوش، وهو إصرار كرره في الرسالة التي وجهها لكيم يونج إيل الشهر الماضي.

ومع ذلك، فإن الذي حدث هو أن quot;كوندوليزا رايسquot; -وربما لأنها كانت تتوقع سلفاً أن التاريخ المحدد لن يتم الالتزام به- قد صرحت بأنها ليست مهتمة أكثر مما ينبغي بخصوص ما إذا كان التاريخ النهائي هو 31 ديسمبر أم لا.

وهذا الرأي يعتبر مُضلَلاً في الحقيقة لأن التفاصيل شيء مهم خصوصاً عندما يتعلق الأمر بالتعامل مع كوريا الشمالية. لقد شاركت في الرحلة التي قام بها وفد الولايات المتحدة الأميركية للتفتيش على منشأة quot;يونجبيونquot; في سبتمبر الماضي، وكان واضحاً مما سمعته أن المسؤولين الكوريين الشماليين كانوا ينظرون إلى كافة العناصر المكونة للاتفاقية السداسية على أنها أمور قابلة للتفاوض.

ومعنى ذلك أن هؤلاء المسؤولين كان يمكن أن يفكروا على النحو التالي: إذا ما كان من الممكن التغاضي عن التاريخ النهائي، فإنه من الممكن بنفس القدر التغاضي عن إجراءات تعطيل البرنامج، بل والتغاضي عن إغلاق المنشآت النووية ذاتها.

وعلى رغم أن الرئيس بوش قد حقق نجاحات بارزة في مكافحة الانتشار النووي، وأهمها إنجازه لما عرف بـquot;مبادرة أمن الانتشار ونزع السلاح النوويquot; بشأن التعامل مع البرنامج النووي الليبي، إلا أن الشيء المثالي بالنسبة لإدارته هو أن تتمكن من النجاح في التفكيك النهائي، غير القابل للنقض، والقابل في نفس الوقت للتحقق، لكافة جوانب برنامج الأسلحة النووية الكوري الشمالي. ومع ذلك لدي شكوكي الخاصة القوية فيما يتعلق بهذه النقطة بالذات.