عبدالجليل النعيمي
أي المثلين، laquo;حلت البركةraquo; أم laquo;طرق المدينة شر عظيمraquo;، ينطبق على زيارة الرئيس الأميركي بوش لمنطقة الشرق الأوسط والخليج؟ ردود الأفعال الرسمية في جميع البلدان التي زارها تقول laquo;بالبركةraquo;، أما الشعبية، بما في ذلك داخل إسرائيل، فتشم فيها رائحة الشر.
أي الرأيين أصدق؟ ذلك يعتمد على الإجابة المنطقية على سؤالين. الأول، هل سيتمكن الرئيس الأميركي فيما تبقى له من وقت في سدة الحكم، أن يخرج بحل عادل ودائم للصراع الفلسطيني الإسرائيلي، ناهيك عن التسوية الشاملة لقضية الشرق الأوسط؟
والجواب بالطبع لا. لقد علق الفلسطينيون الغاضبون شعارا واحدا تكررت نسخه أينما حل بوش: laquo;كاوبوي 2000raquo;، وهي ماركة لنوع من الجينز الأميركي. ولعل الشعار يريد أن يقول بأن راعي البقر لم يفلح في التحول إلى راع للبشر مذ جاء إلى الحكم مع نهاية وبداية الألفيتين.
لم يثبت الرجل أنه يعني ما يقول في أي من ادعاءاته. فلا العراق أصبح نموذجا للديمقراطية كما كان يكرر. ولا الدولة الفلسطينية قامت في 2005 كما بشر. وأميركا لا تردع العدوان، بل دعمت العدوان الإسرائيلي على لبنان عام 2006.
وحتى لو أراد بوش أن يحقق تقدما يذكر ليعدل من سجل تاريخه الرئاسي المثقل بالإخفاقات، فليس لأي تقدم من حظ ما لم يكن ذلك بالاتفاق مع الحزب الديمقراطي الذي يبدو أنه سيفوز بالرئاسة القادمة. لكن الرئيس محاط بالعزلة في داخل حزبه.
ومن سوء حظ الرئيس بوش أن نظيره الإسرائيلي أولمرت يعاني من عزلة مثيلة، لدرجة أن بوش يستجدي من بقية السياسيين الإسرائيليين دعم أولمرت. أما الشريك الفلسطيني فلم تعد سلطته تنبسط على أراضي السلطة الفلسطينية، بعد الانقلاب الانفصالي الذي قامت به حماس فشطرت الأرض وأضعفت السلطة.
إن وجبة الغذاء السخية التي كلفت السلطة الفلسطينية 90 ألف دولار، وهو ما يساوي ثلث رواتب شهر واحد لجميع الموظفين في رام الله، لا يمكن أن تخفي لا ضعف الإمكانات المادية ولا النفوذ السياسي للطرف الفلسطيني المفاوض.
باختصار، إنه ليس الظرف الصحيح لاتخاذ القرار الصحيح بشأن القضية الفلسطينية. ولعل بوش الذي اعتدنا على أن أقواله لا تتطابق وأفعاله، يعرف مدى الحظوظ جيدا. ولذلك فإنه عندما يردد بأن laquo;الخيار صعب، لكن السلام ممكنraquo;.
مشيرا إلى أنه يمارس الضغط على الطرفين، فإنه في الحقيقة لا يفعل ما طالب به رئيس تحرير laquo;هآرتزraquo; الإسرائيلية ديفيد لانداو وزيرة الخارجية الأميركية رايس قائلا: laquo;بعد أربعين عاما من المحاولات الفاشلة لحل مشكلة الاحتلال، فإن إسرائيل بحاجة إلى دفع جدي من قبل أميركا.. اغتصبوهاraquo; (مستخدما كلمة rape بمدلولها الجنسي).
وبالرغم من أن بوش أكد على أن فلسطين لا يجب أن تصبح كالجبنة السويسرية، في إشارة إلى وحدة أراضي الدولة الفلسطينية القادمة، وبالرغم من أن صحافيين وصفوا هذا القول بأنه laquo;خطوة على الطريق الصحيحraquo;.
إلا أن لي تان Le Temps السويسرية أشارت (2008,01,11) إلى أن ذات الصحافيين، وبعد المؤتمر الصحافي، شجبوا الرئيس الأميركي الذي (لا يمارس ضغطا جديا على إسرائيل لكي تتراجع عن مواقفها). فهو لم يحدد أين ستقوم هذه الدولة، أمن جسر اللنبي حتى الحدود مع الأردن، أم بين أريحا ورام الله، أم بين رام الله وجنين وبيت لحم، أم بين رام الله وغزة؟
كما لم يتحدث بجدية عن الأمور الهامة الأخرى، كوضع القدس وتجميد بناء المستوطنات وإزالة الجدران العازلة التي يقول عنها أنري هيرشون، الصحافي من لي نوفل أوبزرفاتور الفرنسية، بأنها تقع في مركز المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية في الأسابيع الأخيرة دون أن تحقق تقدما.
وعليه يمكن الحكم بأن جواب السؤال المتعلق بالشق الفلسطيني الإسرائيلي هو النفي. بل إن القضية تزداد تعقيدا بتأكيده على يهودية دولة إسرائيل، وبالتالي على حق التعويض دون حق العودة للاجئين. السؤال الثاني: هل يمكن أن يكون بوش جادا في التعبئة من أجل شن حرب عدوانية ضد إيران، خصوصا وأن ذلك يتزامن مع حادث مضيق هرمز بين الزوارق الإيرانية والسفن الحربية الأميركية؟
في حديث لي مع زميلي عبد النبي العكري حول هذا الشأن، استل العكري على الفور من ذاكرته التي لا تصدأ حادث تونكين في عام 1964. فعندما اقتربت البارجة الحربية الأميركية laquo;ميدوكسraquo; من مياه فيتنام الشمالية هاجمتها الزوارق الطوربيدية الفيتنامية. وتكرر الحادث بعد يومين. بعد ذلك أصدر الرئيس الأميركي لندون جونسون أوامره لقصف أهداف عسكرية بحرية فيتنامية.
واستغل الرئيس جونسون الحدث للحصول من الكونغرس على قرار بدعمه. لكن الرئيس ووزير الخارجية دين راسك ووزير الدفاع روبرت مكنمارا ومستشار الأمن القومي ماك جورج، اعتبروا ذلك بمثابة تفويض لشن حرب غير معلنة حولت الحرب الأهلية في فيتنام إلى حرب ذات طابع وأبعاد دولية كانت أميركا الخاسر الأكبر فيها.
غرقت أميركا في وحل هذه الحرب القذرة. فخلال قرابة ثماني سنوات ونصف، من أغسطس 1964 إلى يناير 1973، خسرت أميركا أكثر من 58 ألف قتيل عسكري ومدني و 153 ألف جريح و2300 مفقود. إذا ما استفدنا من دروس التاريخ فيبدو أننا أمام وضع مشابه، وأن الرئيس الأميركي جدي في هذه المسألة.
وبعكس الشق الفلسطيني في جولته، فإن تفجير الوضع هنا لا يحتاج إلى اتفاق مع الحزب الديمقراطي، بل إن الإدارة الحالية تريد توريث الرئيس القادم ذات الاستراتيجية الكونية والنزعة العدوانية ضد بلدان العالم. وبلا مواربة قال الرئيس بوش إن أحد الأسباب التي هو ذاهب من أجلها إلى الشرق الأوسط، هو التوضيح بلا لبس ان إدارته ترى في إيران خطرا.
وإذا ما استفدنا من دروس التاريخ أيضا فإن جردة حساب لحصيلة دعم بلدان الخليج للعراق في حربه على إيران بتشجيع من الولايات المتحدة (1980- 1988)، ثم دعم الولايات المتحدة في غزو أفغانستان في 2001، وبعدها في غزو العراق في 2003، ستبين أن الاستقرار في الخليج لم يتوطد، بل تزعزع.
وأنه إذا أرادوا إقناعنا بأن البرنامج النووي الإيراني يشكل خطرا كامنا، فهناك أكثر من مؤشر على إمكانية بلدان المنطقة بنفسها حل المشاكل الداخلية فيما بينها. لكن الذي ثبت حقا هو أن السياسة الأميركية في منطقة الشرق الأوسط باتت هي أكبر الأخطار على الإطلاق.
وعليه فإن قلق الشعوب من هذه الزيارة وردود فعلها كما في المظاهرات والاجتماعات والبيانات الاحتجاجية التي شهدتها البحرين في الأيام الأخيرة، محقة ومبررة تماما، بعكس الترحيب الرسمي الذي ليس له ما يبرره سوى واجب البروتوكول الذي تفرض مقتضياته ذلك، دون أن يعني أن laquo;بركة قد حلتraquo;. قادة بلدان المنطقة يعرفون قبل غيرهم أن شرا محدقا يجب درؤه.
التعليقات