محمد خلفان الصوافي

ينبغي الترحيب بأي حديث عن الحفاظ على التراث التاريخي والثقافي لإمارات الدولة، لأسباب كثيرة ليس أقلها أهمية الحفاظ على الذاكرة الوطنية؛ بعدما شهدت تحولات كبيرة مسّت مختلف مجالات الحياة في زمن قصير من عمر المجتمعات الإنسانية، وإنما كذلك (وكنتيجة لهذه التحولات) صار أغلب أبنائها لا يعرف مدينته وقيمه كتاريخ خدم الإنسانية،وكتحول لتكون مدن الحاضر التي نراها اليوم.

التراث التاريخي أو الثقافي لأي أمة في العالم، له أنواع وأشكال وربما أصعبه وأهمه في الوقت نفسه هو: التراث الشفهي أو غير المادي؛ لأنه متحرك وغير ثابت ويحتاج إلى تجميعه من الرواة الحقيقيين له قبل أن تتفاجأ المجتمعات بفقدان من عاصروا وشهدوا على التغيرات الديموغرافية والعمرانية السريعة لها.

وبلا شك أن المجتمع الإماراتي وبالأخص إمارة دبي ثري بالكثير من الإرث الشفهي نتيجة لمكانتها التجارية التي سمحت لها بأن تكون واحة استقطاب، ومكاناً لاستقبال العديد من الثقافات الإنسانية والتفاعل فيما بينهما.

في هذا المجال، لفت أنظار الكثيرين مؤخراً، القانون الذي أصدره صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء، رعاه الله، بصفته حاكماً لإمارة دبي بشأن إنشاء «دارة آل مكتوم»، تضمن القانون بموجبه إنشاء مؤسسة عامة تُعنى بالإشراف على الدارة تُسمّى «مؤسسة دارة آل مكتوم»، كما تهدف «دارة آل مكتوم» إلى توثيق الإرث الحضاري: المادي والشفاهي لحُكّام إمارة دبي والأسرة الحاكمة.

تكمن حالة لفت الأنظار في أن مدينة دبي تشع بالحياة والتغير، وبالنشاط الثقافي الإنساني وتستقبل هجرات بشرية لصناعة أملها؛ وبالتالي من المهم لها أن تُهيئ الأرضية المناسبة لتوثيق تاريخها الأصلي وثقافتها وفق أعلى القواعد العلمية ليس فقط من أجل سرد الأحداث اليومية التي شهدتها هذه الإمارة النابضة بكل ما هو جميل، وإنما كذلك الاهتمام بقادتها السياسيين الذي أثروا الإنسانية بأفكارهم ورؤاهم.

إن قضية توثيق الإرث الحضاري ليس المقصود بها القدرة على التجميع والاحتفاظ بها، إنما الاستفادة من فكر أمة وقادة استطاعوا أن يغيروا مجتمعاتهم بطريقة إيجابية أبهرت العالم وأنهم استطاعوا أن يؤثروا في الآخرين ويستلهموا من أفكارهم ومع أن الإرثين المادي والشفهي مهمان، إلا أن الشفهي له وضعه الخاص لا سيما في إمارة دبي لما لها من ثراء ثقافي وحضاري كبيرين.

فالكثير من الأشياء التي نراها في هذه الإمارات هي من استلهام إرثها الإنساني، وكذا هو الحال في المستقبل، خاصة وأن القيادة السياسية في دبي لا ترتهن إلى الماضي بقدر أنها تأخذ من «روح ماضيها» لتخاطب المستقبل كما موضح في «متحف المستقبل».

الاهتمام بمأسسة «دارة آل مكتوم» كما جاء في القانون، وإعداد الكوادر الوطنية لها يعكس الوعي بأهمية توثيق الإرث التاريخي والثقافي للإمارة وقادتها الذين كان لهم دور كبير في النهضة التنموية.

كما يؤكد على عدم الاستهتار بتراث الشعوب وثقافاتها التي تحتاج إلى تقدير القيمة الرمزية لها، خاصة وأن عالمنا مليء بالكثير من الخلافات حول أحقية كل شعب لتراث معين، ولدينا العديد من القصص في هذا الجانب وصلت إلى خلافات بين الشعوب، لهذا فإن منظمة اليونسكو التابعة للأمم المتحدة تشجع الأمم والشعوب على توثيق تراثها الحضاري من الاندثار ومن الاختلافات في قادم الأيام.

التوثيق التاريخي والحضاري لأي أمة أو شعب في زمن التداخل الحضاري هو تأكيد على الخصوصية الثقافية، بل إن الدول بمختلف تطوراتها التنموية بدأت تشجع أفراد مجتمعاتها على خلق قاعدة لحفظ تاريخها وثقافتها خاصة التراث غير المادي (الشفهي)، لأنها تمثل هويتها التي تميزها عن غيرها من الأمم في ظل ما بات يعرف بتأثيرات العولمة الثقافية.