عبد المحسن بن عبد الله التويجري

الحلول فيما بين الإنسان ونفسه، وفيما بين الإنسان وأخيه الإنسان، والإنسان والحياة لها وجود مؤكد جاء به الوحي المنزل بآيات كريمة أولها (اقرأ)، ولنا في الحديث النبوي المنهاج المتميز لكل أمورنا، إنها حلول على الأرض وغالباً ما يكون لها على الإيمان من تأثير.

فكل عام يبدأ جديده حافظاً لقديمه، كما أن ذاكرة التاريخ زاهرة بكل ما يعي الجديد والقديم. ومن قديمه الجديد - ما نعيشه الآن وما نراه ونعرف بعض أشخاصه، ونتحسر على ممارستهم التي تؤلم الضمير.

هذا البعض يلّح عليه خاطر بأن يقتحم المجهول من باب أو من غير باب، فقد يقتحمه من النافذة أو أي وسيلة تمكنه من ذلك، ولكن الوسائل مقيدة ولها سنن وقوانين لا مناص منها حتى وإن خدع الإنسان نفسه، وتوهم غير ذلك.

جميعنا نود معرفة كل مجهول، وأن نعرف من المسير مصيره، وكلمة السماء أنزلها الله سبحانه وتعالى في سورة (ق): {لَقَدْ كُنتَ فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَاءكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ} (سورة ق،22) وحين يطرق البعض هذا الباب فمن هو المجيب!

إنه المشعوذ والمنجم خاوي العقل والضمير يبيع المجهول بوهم يصدقه السائل، وهو خيال سلبي وادعاء. يتلمس من خلاله المنجم نقاط الضعف لدى السائل فيشحنها بالوهم والخرافة اعتمادا على ما يسمى بتاريخ الميلاد وما يسمى بالبرج، فيُسر السائل على غير حقيقة.

إن المجهول أو المعلوم وما هو في مضامينه يعتمد على ما يشاء خالقه ومدبره وما أذن به، ومن مضامينه كما نعرف الأمراض والرزق.. إلخ، ووفقا لما أذن به حثنا على السعي من ورائه والبحث عن أسراره وهو القائل عز وجل في أول سورة أنزلها على نبيه العظيم صلى الله عليه وسلم: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} (العلق،1) ومن هذا فإن عددا من العلماء في أوروبا وأمريكا لهم أبحاث في مجال القوى الخفية لدى الإنسان، ومن ذلك ما يتعلق بقدرات الإنسان في تفعيل هذه القوى التي تؤدي إليها، وربما أن نتائج مثل هذه البحوث تعين كل محتار يلجأ إلى المنجم أو المشعوذ وكذلك الساحر إلا أنني أجزم أن الحلم أوسع مدى ولن تتقاصر خطاه لمعرفة كل مجهول، والثابت أن ما أذن به عزّ وجلّ لابد وأن يتحقق.

إن للعقول حكمة يؤكدها الفكر والتفكر بأفق واسع، التي ترفض كل هذه الممارسات الخاطئة التي يتحمل مسؤولية أضرارها السائل والمسؤول، ومن المؤسف أن عدداً من المرضى يلجأ إلى من يدعي علما لا يملكه، ومن خلال وسائل التلفاز يعرض المريض مشكلته فيتصدى من على شاشة التلفاز رجل أو امرأة لهم طقوس واضحة في لباسهم وحركاتهم فيشخصون ويصفون العلاج. وبالنسبة للسحر في عصرنا هذا يتواجد من يدعيه، ومن يناديه وكلاهما يتجاهل أن السحر بغير ما بينه القرآن الكريم لا شيء بعده.

إن تلك الظواهر لم تعد كذلك، وأصبحت ممارسات تزيد يوما بعد يوم، والأمل أن يعي المنجم ومريدوه أن لا مسير لهم بحال من الأحوال حول المصير وسيبقى الغيب في علم الحيّ القيوم إلا ما أذن به، وحكمته عزّ وجلّ قضت أن هذا الغيب الذي نجهله لا نجهل معه رحمة الله الواسعة، وأنه الرؤوف الرحيم حيث قال عزّ وجلّ: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} (الزمر،53).

ومن يعبث من حول هذا المجهول بوسائل المنجمين أو المشعوذين سيجد نفسه قد أضاع مالا واشترى به وهما ابتكره خيال فاسد لدى المنجم ويبدأ المريد في التخطيط وإعداد كل الأسباب التي أوصى بها المنجم، ويبدأ المريد في التخطيط وإعداد كل الأسباب التي أوصى بها المنجم، وقد يصدم حين يصل إلى آخر المراحل من وصايا المنجم أو المشعوذ.. إلخ.

فالعلم بكل نظرياته يخرج من مراكز الأبحاث وقد سبقه جهد مضن ليكون، ومن البديهي أن تقدم أي أمة بوسائل قادرة لابد وأن يكون محرابها العلم، وهذا ما أتمناه لأمتي. فليذهب كل معطّل ومانع، فالعلم هو ما نحتاج بكل وسائله، ولقد قال عزّ من قائل: {يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَن تَنفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانفُذُوا لَا تَنفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ} (الرحمن،33).