د. مأمون فندي:laquo;حماسraquo; هي التي أدخلت غزة في الظلمات. فمن يطلق الصواريخ لا بد أن يكون جاهزاً لردة الفعل. إسرائيل لن ترد على الصواريخ بالورود. نحن نقول ليل نهار إن إسرائيل دولة محتلة، فهل نتوقع منها أن تتصرف كالمسيح وتدير الخد الآخر لصواريخ laquo;حماسraquo;؟ بالطبع لا يمكن أن ننتقد الضحية، وهو الشعب الفلسطيني، ولكن بالتأكيد مَن انقلبوا على الرئيس محمود عباس في غزة وتباهوا بأن خيارهم لحل الصراع مع إسرائيل هو الخيار العسكري، هم المسؤولون عن مأساة اليوم في المقام الأول. الاحتلال هكذا غاشم، لم يعرف التاريخ احتلالا إنسانيا. أما جماعة laquo;حماسraquo;، فإن لم يكونوا يبحثون عن مجد شخصي مقابل التضحية بالفقراء والمتعبين، فأولى مسؤولياتهم هي حماية شعبهم.
اليوم نسمع خالد مشعل، رئيس المكتب السياسي لحركة laquo;حماسraquo;، مطالباً مصر والرئيس المصري حسني مبارك بتوصيل الكهرباء إلى غزة، وأنا أضم صوتي إلى صوته، ولكن كيف يصبح مبارك هو المسؤول عن نتائج مواقف خالد مشعل وإسماعيل هنية؟ أليست مصر هي الدولة ذاتها، ومبارك هو الرئيس ذاته، اللذان وجه إليهما اللوم في قصة الحجاج الفلسطينيين العالقين على المعابر؟ أوليست مصر، في نهاية المطاف، هي الدولة التي أغضبت أميركا وإسرائيل والأوروبيين عندما قررت من طرف واحد أن تدخل الحجاج؟
الدول العربية جميعها اختارت السلام كمبادرة، فكيف لفصيل فلسطيني أن يكون له حق laquo;فيتوraquo; على الدول العربية كلها؟ كيف لـlaquo;حماسraquo; أن تشذ عن قرارات وإجماع الدول العربية، ثم تتوقع أن تساندها هذه الدول؟ ليست laquo;حماسraquo; وحدها التي تمارس حق laquo;الفيتوraquo; ضد قرارات الدول العربية، laquo;حزب اللهraquo; أيضا يمارس الحق نفسه. لك أن ترى ما يقوم به laquo;حزب اللهraquo; في لبنان ضد الإجماع العربي والمبادرة العربية، التي صادرها.
قرارات الدول العربية مجتمعة لا تساوي قوة فيتو laquo;حزب اللهraquo;. جزء كبير من الشارع العربي اليوم هو لـ laquo;حماسraquo; لا لمحمود عباس والسلطة الفلسطينية. وكذلك الإعلام، فكل من أمسك ميكرفوناً وكل من تعلم الكتابة يريد أن يكون بطلاً مقاوماً من أول السطر، والأغرب أنني قابلت كثيراً من المسؤولين في الدول العربية ممن يؤيدون مواقف laquo;حزب اللهraquo; وlaquo;حماسraquo;، إذا كان هذا هو رأي الخاصة وليس العامة فقط، فلا عجب أن يكون للحركات في العالم العربي laquo;فيتوraquo; على قرارات الدول، ولا عجب أن يكون لـlaquo;حماسraquo; حق laquo;الفيتوraquo; والقدرة على شل أي إجماع تتفق عليه أكثر من عشرين دولة عضواً في الجامعة العربية.
الحقيقة التي يجب أن تدركها laquo;حماسraquo;، أن حسني مبارك لم يكن هو مَن أصدر أوامر إطلاق الصواريخ على إسرائيل، فكيف لها أن تطلب من الرجل أن يدفع ثمن قرارات اسماعيل هنية وخالد مشعل؟ لماذا لا يدفع مَن يريد أن يكون بطلاً شعبياً ثمن قراراته الفاشلة؟ هل استشار هنية ومشعل العرب، حتى يحتجا على العرب اليوم؟ لا تمتلك الحركات حق laquo;فيتوraquo; على قرارات الدول، إلا إذا كانت هذه الدول مهزوزة.
laquo;حماسraquo; هي التى أطلقت الصواريخ، وهي التى يجب أن تدفع ثمن هذا القرار الأهوج. أما أن يتصرف قادة laquo;حماسraquo; بكل هذه الرعونة ثم يصيحوا laquo;الحقوناraquo; بعد أن تقع الفأس في الرأس، فهذا أمر غير مقبول، رغم كل الآلام التى تفطر القلب من جراء ما نرى، لأن البشر العاديين في غزة هم الذين يدفعون ثمن خيارات غير محسوبة وغير منطقية. هل ترضى laquo;حماسraquo; بأن تعاملها الدول العربية بالمثل، أي أن تمنحها تعاطفاً وشجباً على الشاشات ولا تفعل شيئاً على أرض الواقع؟ ويبقى لـlaquo;حماسraquo; حق laquo;الفيتوraquo;، ويبقى لنا حق الاختلاف.
* رئيس برنامج الشرق الأوسط بالمعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية- IISS
التعليقات