هدى الحسيني

هل تريد ايران الحرب؟ وإذا كانت تريدها فما هي الاسباب الداخلية التي تدفعها لذلك؟

لم يكن تحرش زوارق laquo;الحرس الثوريraquo; بسفن من الاسطول الاميركي الخامس يوم السادس من الشهر الجاري، في مضيق هرمز، الاول من نوعه. ففي السادس عشر من الشهر الماضي اطلقت السفينة البرمائية laquo;يو. اس. اس ـ ويدبي ايلندraquo; طلقات تحذيرية بعدما اقتربت منها زوارق laquo;الحرس الثوريraquo; الايراني في مضيق هرمز الذي تعبر منه ما نسبته 30% من شحنات النفط في العالم.

وحسب مصادر اميركية مطلعة، ابتعدت الزوارق الايرانية ولم ترد على اطلاق النار. ايضا في الشهر الماضي اقتربت ثلاثة زوارق ايرانية سريعة من الطراد الاميركي المجهز بالصواريخ laquo;يو. اس. اس ـ كارraquo;، ولما اصبحت على بعد 500 متر اطلق الطراد صفارات الانذار فابتعدت. وحسب المصادر الاميركية، فان الحوادث الثلاثة التي وقعت في اقل من شهر اظهرت السياسة العدائية التي يعتمدها laquo;الحرس الثوريraquo; الايراني، laquo;الذي كان يفحص نوعية ردود الفعل الاميركية لاستراتيجية الاسراب الكثيفةquot; التي يعتمدها الحرسraquo;. وتضيف المصادر: laquo;ان الحرس لم يكن راغباً في مواجهة، انما كان مستعداً لهاraquo;.

تأتي هذه التحرشات العسكرية، وإيران تستعد لانتخابات برلمانية في 14 آذار/ مارس ـ اية مصادفة تجمع الموالاة في لبنان وحركة laquo;14 آذارraquo; بتوقيت الانتخابات الايرانية ـ ومرشد الثورة الايرانية يكتشف انه بعد سنة ونصف السنة من طلبه خصخصة بعض شركات القطاع العام، كالهاتف وبعض المصارف والشركات البتروكيميائية، لم تتم خصخصة سوى شركتين من اصل 240 شركة.

لكن ابعد من ذلك، فان ما يقلق طهران هو الموقف الاوروبي المستجد الذي يريد ان يسير في المقاطعة ابعد من قراري مجلس الامن اذا ما فشل المجلس في استصدار قرار ثالث.

وكان الرئيس الايراني محمود احمدي نجاد قد ارسل رسالة تحذيرية في شهر تشرين الثاني/ نوفمبر الى الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي يذكره فيها بالمصالح المشتركة لبلديهما، خصوصاً في لبنان، والأفضل laquo;عدم خسارتهاraquo;!

ان هذه التحركات والتحرشات والتصريحات المتشنجة، خصوصاً تلك المتعلقة بالملف النووي الايراني، لا تلغي ما يجري على ساحات الاعراق والاثنيات داخل ايران. فإذا استثنينا نمو الحركة الماركسية في الجامعات الايرانية، حيث ينتقد الطلاب الفقر المنتشر في ايران، ويعارضون حركة بعضهم الموالية للديموقراطية، ويتهمون اتباع تلك الحركة بمحاولة اصلاح نظام يستعصي على الاصلاح (صحيفة الهيرالد تريبيون في 18 من الجاري)، وقد بدأت الحكومة بمطاردتهم واعتقال الكثيرين منهم وزجهم في سجن ايفن الشهير.

اذا استثنينا هذا التحرك السياسي، هناك تحركات تقوم بها الاثنيات غير الفارسية في ايران، من بلوش، وعرب، وأكراد، وآذاريين وتركمان.

ان التغيير الجيو ـ سياسي الذي حدث ويحدث في الشرق الاوسط، بعد الغزو الاميركي للعراق عام 2003، والذي اوصل مجموعات كانت مضطهدة سابقاً مثل اكراد وشيعة العراق الى مراكز السلطة، بدأ يصل الى الاقليات الايرانية التي تطالب بتمثيل اكبر لحقوقها السياسية والثقافية. وكان laquo;مجلس القوميات الايرانيةraquo; المؤلف من مجموعات معارضة في الخارج تمثل الاكراد والعرب، والآذريين، والتركمان والبلوش قد دعا في بيان له بداية عام 2005 الى الفيدرالية في ايران حسب التوزيع العرقي.

ويُذكر ان الفرس في ايران يمثلون الاغلبية بفارق ضئيل من مجموعة سكان يبلغ تعدادها 70 مليونا، يليهم الآذريون الذين يقدر عددهم بما بين 15 الى 20 مليونا وهم كالفرس، من الشيعة. ويمثل الاكراد ثالث اكبر تجمع اثني ويقدر عددهم بما بين 4 الى 7 ملايين نسمة واغلبهم من السنّة، ويقدر عدد البلوش (اغلبيتهم من السنة) بما بين المليون الى الاربعة ملايين، والعرب وهم من الشيعة يتراوح عددهم بما بين المليون الى الثلاثة ملايين، اما التركمان فإنهم من السنّة بأغلبيتهم ويقدر عددهم بما بين المليون الى المليوني نسمة. وفي ايران طوائف وأقليات صغيرة، كالبهائيين، والأرمن، والزرادشتيين واليهود.

ان تحرك البلوش هو الاقوى والأشرس والأكثر تواصلاً. ومنذ عام 2003 برزت بينهم مجموعة laquo;جند اللهraquo; التي قامت عام 2005 بخطف عدد من الجنود ورجال الامن الايرانيين على الحدود الايرانية ـ الباكستانية، وهاجمت العام الماضي باصاً ينقل عدداً من laquo;الحرس الثوريraquo; خارج زاهدان (عاصمة بلوشستان) فقتلت 11 منهم وأوقعت عدداً من الجرحى. وفي الاشهر الاخيرة تجددت المواجهات ما بين قوات الامن الايرانية والبلوش، وحسب وسائل الاعلام الايرانية قتل الامن الايراني 12 مقاتلاً ينتمون الى laquo;جند اللهraquo; وصادر مستودعاً للاسلحة فيه رشاشات وذخائر وصواعق ومتفجرات ووسائل اتصال.. وكان ذلك في مدينة laquo;ايران شهرraquo;.

وفي اليوم الاخير من العام الماضي اعدمت السلطات الايرانية في سجن زاهدان رجلين من البلوش بتهمة السرقات المسلحة والتهريب، ويتهم البلوش طهران بأنها تتعقب العناصر المعارضة في صفوفهم بتهم اجرامية مختلفة.

قد تكون المسألة الوطنية البلوشية هي الاقدم بين الاثنيات في ايران التي تطالب بحقوقها والسماح لها بالمشاركة في السلطة. ويعيش البلوش في الجنوب الشرقي من ايران في محافظة laquo;سيستان ـ بلوشستانraquo;، وهي الافقر ما بين المحافظات الايرانية.

يعتبر البلوش في ايران انفسهم جزءاً او تتمة للبلوش في باكستان (ما بين 4 الى 8 ملايين نسمة) وكذلك للبلوش في افغانستان. ويشعر البلوش جميعهم بأن ظلماً تاريخياً وقع عليهم بسبب اضطهاد (القوى الامبريالية) لهم، مما جعلهم موزعين من دون دولة تحمل اسمهم. ويرى البلوش ان توحيد شعبهم في دولة laquo;بلوشستان الكبرىraquo; المستقلة، هو من حقوقهم التاريخية.

ويعيش العرب في خوزستان حيث اغلب الثروة النفطية الايرانية، لكن تبقى خوزستان الأقل تنمية، طهران تقول ان هذا عائد الى ان خوزستان كانت خط المواجهة الاول في الحرب العراقية ـ الايرانية. وعرب الاهواز يردون بأنها سياسة فارسية مقصودة ضدهم كي تبقى منطقتهم متخلفة وفقيرة. وكانت المنطقة مسرحاً لعمليات ضد اهداف حكومية، وتتهم طهران عناصر من مجموعات مثل laquo;حزب النهضة العربي الاهوازيraquo; بأنهم يعملون بتوصيات من الاستخبارات الاميركية والبريطانية.

وعلى الرغم من ان اغلب الاهوازيين ينطقون بالفارسية، الا انهم يحافظون على علاقات قبلية وثقافية وثيقة مع الشيعة العرب في جنوب العراق.

اما منطقة اذربيجان فانها تتململ منذ عام 2006، عندما نشرت احدى الصحف الايرانية كاريكاتوراً شبه الآذريين بـlaquo;الصراصيرraquo;. والآذريون يطالبون بحقوق اوسع ثقافية واقتصادية وسياسية وهم على علاقات قوية مع الناطقين باللغة التركية (لغتهم الممنوعون من استعمالها) في القوقاز وآسيا الوسطى، وخصوصاً مع اذربيجان الدولة.

وفي بداية هذا الشهر توتر الوضع في المناطق الشمالية من ايران على الحدود مع تركمانستان عندما قتل الحرس الثوري بحاراً تركمانياً، وازداد الوضع تأزماً ففرضت طهران حالة الطوارئ على بعض المناطق مما دفع جمهورية تركمانستان الى وقف تدفق نفطها الى ايران بسبب المعاملة الايرانية للتركمان الايرانيين. والتركمان الذين وزعتهم طهران على عدة مناطق يستمدون قوة من وضع اكراد العراق، ومحاولتهم العودة الى كركوك الغنية بالنفط، بعدما طردوا منها مع برنامج التعريب البعثي.

ان الصورة التي تحاول القيادة الايرانية تسويقها لا تعكس حقيقة الوضع على مختلف الساحات الاثنية الايرانية، كما انها لا تعكس حقيقة الوضع داخل القيادة الايرانية نفسها، حيث التكتلات السياسية المتنافسة تستعد لإثبات قوتها في الانتخابات النيابية المقبلة، هذا اذا لم يتدخل مكتب المرشد الاعلى. ان تحرك الاقليات في ايران، يعود اولاً، الى رفض ايران القيادة دمج هذه المجموعات في النسيج الاجتماعي والسياسي والاقتصادي للدولة والى المعاملة العنصرية التي تعتمدها تجاههم، وثانياً الى تركيزها الحالي على اثبات قوتها في لبنان والعراق وغزة.

اما سبب التحرشات العسكرية والتهديدات الرامية الى قصف اسرائيل اذا ما تجرأت على استهداف ايران بصواريخها البعيدة المدى، ومشاغلة اميركا في العراق اذا ما تطلعت عبر الحدود الى ايران، فإنها تعكس محاولات طهران للتغطية على ما يجري من قلاقل داخل محافظاتها الثلاثين. هذه القلاقل ستستمر وقد تكبر وتتعقد اذا ما ظلت طهران رافضة اشراك كل اقلياتها في القرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي.

ان طهران مقتنعة بأن اي هجوم اميركي عليها، لسبب من امور متعددة، كالبرنامج النووي، او التدخل في العراق وأفغانستان، سيتضمن حملة ضد استقرارها الداخلي. من المحتمل ان تستغل الاقليات داخل ايران التوتر بينها وبين الولايات المتحدة لتصعّد من تحركاتها. كما ان من المحتمل ان تدعم واشنطن هذه الاقليات لتمارس الضغط على القيادة الايرانية في حال وقوع اية مواجهة، ان كانت مباشرة او في العراق او في لبنان او في غزة.