سعيد حارب


الدعوة التي وجهها وزير الدفاع الأميركي روبرت غيتس خلال حوار المنامة لضم العراق إلى منظومة دول مجلس التعاون الخليجي، تلقت رفضا من دول المنطقة، وقد جاء الرفض السريع من الأمين العام للمجلس السيد عبد الرحمن بن حمد العطية، مؤكدا أن الدول الخليجية اتخذت خطوات تجاه التقارب مع العراق. وقد جاءت معظم التعليقات الصادرة من المسؤولين والباحثين والصحافيين في المنطقة رافضة هذه الدعوة التي تحمل في طياتها أهدافا غير معلنة من الإدارة الأميركية المنتهية، فالوزير غيتس الذي سيستمر مع إدارة أوباما، يحاول تحميل دول المجلس مسؤولية الشأن العراقي بدفعهم لضمه إلى المجلس، فالإدارة الأميركية التي استطاعت فرض الاتفاقية الأمنية مع الحكومة العراقية، تحاول أن تهيئ الأجواء لانسحابها المتفق عليه العام 2011، لذا فهي تريد أن تجعل من دول الخليج طرفا في المسألة العراقية، وبخاصة أن المرحلة المقبلة ستشهد إعمار العراق، ما يتطلب استنزاف موارد كثيرة لا تريد الإدارة الأميركية أن تتحملها. ولذا فإن دول الخليج بموافقتها على دخول العراق من ضمن منظومتها الإقليمية ستكون طرفا ليس في إعمار العراق فقط، بل في الشأن العراقي بمجمله، وهذا ما لا ترغب فيه هذه الدول. فدول الخليج تعرف بحكم القرب الجغرافي والتاريخ المشترك والتجارب التي مرت بها، أن العراق ليس في أفضل حالاته ليكون عضوا أو شريكا في هذه المنظومة. فالعراق مازال تحت الاحتلال، ولا تمثل الاتفاقية الأمنية سوى تنظيم لهذا الاحتلال. وعلى الرغم من أنها تنص على الانسحاب، إلا أن هناك دعوات لإبقاء قوات الاحتلال العراقية أطول فترة ممكنة في العراق، وهذا ما جاء على لسان علي الدباغ ـ الناطق الرسمي باسم الحكومة العراقية ـ حين صرح أن العراق محتاج لبقاء القوات الأميركية عشر سنوات، ما يعني مد أمد الاحتلال، فكيف يمكن تصور دخول العراق مجلس التعاون وهو تحت الاحتلال.. هذا إلى جانب الأوضاع غير المستقرة داخل العراق، فالحالة الأمنية مازالت مضطربة، على الرغم من الزعم باستقرارها.

إن تراجع العمليات المسلحة لا يعني توقفها، بل تزداد أحيانا وتنخفض أحيانا أخرى، ولم تستطع الحكومة العراقية فرض سيطرتها على القوى المسلحة. فهناك الميليشيات التابعة للأحزاب والتجمعات المشاركة في الحكم كجيش المهدي التابع للتيار الصدري، وهناك قوات فيلق بدر التابعة للمجلس الأعلى للثورة الإسلامية، وقوات مجالس الصحوة، إلى جانب قوات laquo;البشمركةraquo; التابعة للأحزاب الكردية، وكلها قوات تكتسب شرعيتها من وجودها السياسي الممثل في الحكومة والبرلمان، إلى جانب الميليشيات الأخرى غير الممثلة في الحكومة.

ولا شك أن دول الخليج لا تريد أن تكون طرفا في هذه الحالة الأمنية المقلقة. كما لا تريد أن تكون ساحة لنقل هذه الصراعات إلى أرضها. أما الأمر الآخر الذي لا يقل أهمية، فهو الصراع الطائفي السائد في العراق، فمجتمع العراق اليوم ليس كما كان عليه قبل الاحتلال، إذ كشفت الأحداث عن صراع طائفي لم يعرفه العراقيون سابقا، وأصبح الشأن الطائفي حاضرا منذ أن قرر الحاكم المدني الأميركي السابق بول بريمر إنشاء مجلس الحكم على أسس طائفية، وترسخت الفكرة في كل الممارسات السياسية التي انتقلت إلى المجتمع العراقي بعد ذلك، فأصبح هناك قتل على الهوية، وتقسيم بالحواجز في المدن على أسس طائفية وتهجير طائفي بحيث laquo;تخلصraquo; كل منطقة لطائفة معينة، وأصبح الولاء والانتماء ليس للوطن، بل للطائفة، وركنت كل طائفة على مرجعيات دينية وسياسية داخلية وخارجية، فهل دول مجلس التعاون الخليجي مستعدة للتعامل مع هذه الحالة الطائفية؟ إن علينا أن نعترف أن هناك احتقانا طائفيا في بعض الدول الخليجية، وهي ليست راغبة في زيادة هذا الاحتقان بإضافة مشكلات طائفية جديدة، إن انتقال العدوى الطائفية إلى دول المنطقة سيؤدي إلى زعزعة الأمن والاستقرار في هذه الدول.

أما الوضع الاجتماعي، فهناك ستة ملايين مهاجر عراقي بسبب الحرب تحتضنهم المنافي والملاجئ في أقطار شتى، وهناك أكثر من ثلاثة ملايين مهجّر عراقي داخل وطنهم بسبب الأعمال المسلحة والتهجير الطائفي، وهناك أكثر من مليون ونصف المليون قتيل وأكثر منهم من الجرحى والمعاقين بسبب الحرب. وهذه الأرقام تشير إلى الكارثة التي صنعها الاحتلال وما تلاه، وهي مشكلات تحتاج إلى معالجات شاقة وطويلة الأمد، ودول الخليج ليست مهيأة للتعامل مع هذه المشكلات التي لم تعتد عليها، ولم تتعامل معها، هذا إلى جانب الكثافة السكانية العراقية التي تبلغ ستة وعشرين مليونا، وهو ما يعادل عدد سكان دول مجلس التعاون مجتمعة، ودخول هذا العدد في المجلس يخل بالتوازن داخله.

أما على المستوى السياسي، فإن العراق مازال مضظربا سياسيا، فلم يستقر بناؤه السياسي القائم على التعدد الحزبي، وهو ما لا تعرفه دول الخليج. كما أنه يعيش مرحلة مخاض بين الدولة المركزية والدولة المركبة. فقانون الأقاليم قسّم العراق إلى ثلاثة أقاليم.. وستأتي طبعا انتخابات الأقاليم المقبلة لترسخ هذا التقسيم، وتجعل من العراق ثلاث دول في دولة. وقد بدأ إقليم كردستان ـ منذ الحصار على العراق ـ إجراءات laquo;الدولة المستقلةraquo;، وجاء الاحتلال ليؤكد تلك الإجراءات. فهناك رئيس لـlaquo;الإقليمraquo;، ودستور وبرلمان وعلم وجيش (البشمركة) وجهاز الأمن (الإسايش)، ولم يبق من مكونات الدولة إلا الانضمام لعضوية الأمم المتحدة !!

ويبدو أن إقليم الجنوب laquo;يتلهّفraquo; للدور نفسه، ليبقى إقليم الوسط بين laquo;المطرقتينraquo;، فهل دول مجلس التعاون الخليجي على استعداد للتعامل مع هذا الواقع السياسي؟ وهل ستتحمل ثمن ذلك؟

لقد ترددت دول المجلس- ومازالت- في دخول اليمن إلى عضوية المجلس، وهي أكثر استقرارا وتناسقا مع منظومة الدول الخليجية التي قبلت بمشاركة اليمن في بعض مؤسسات المجلس، لكنها مازالت مترددة في منح اليمن العضوية الكاملة، فكيف بالعراق الذي يختلف عن اليمن بمشكلاته وأوضاعه المضطربة؟

إن رفض الخليجيين دخول العراق مجلس التعاون الخليجي ليس رفضا للعراق، ولا لأهله، الذين هم جزء لا يتجزأ من الجسد الخليجي بخاصة، والعربي بعامة، والذين سيبقون محط ترحيب أبناء الخليج واعتزازهم بالعراق وأهله، لكن يبدو أن ورطة الإدارة الأميركية في العراق جعلتها تتخبط في البحث عن مخرج، حتى ولو كان ذلك بـlaquo;جرraquo; الآخرين إلى المستنقع ذاته.

كاتب من الإمارات