عشية معركة quot;الثلاثاء الكبيرquot; في 24 ولاية

واشنطن ndash; هشام ملحم

عشية أكبر انتخابات حزبية تمهيدية في تاريخ الولايات المتحدة لمنصب الرئاسة، إذ تشمل 24 ولاية غدا المسمى quot;الثلثاء الكبيرquot; لاختيار مرشح كل حزب، ومع بلوغ وتيرة النشاطات الانتخابية، والاعلانات التلفزيونية، ووسائل تعبئة الناخبين مستويات محمومة، تظهر استطلاعات الرأي على المستوى الوطني ان ثمة تعادلا تقريبا في الصف الديموقراطي بين السناتورين هيلاري كلينتون وباراك أوباما، مع فارق ضئيل في الاصوات لمصلحة كلينتون، وان يكن أوباما ماضيا في حرق المسافات بينهما، الامر الذي يعني ان الصورة لا تزال ضبابية بعض الشيء. أما في الصف الجمهوري، فان الصورة تزداد وضوحا، إذ يستفيد السناتور جون ماكين من الزخم الذي حصل عليه بعد انتصاره في ولايتي كارولينا الجنوبية وفلوريدا على منافسه الرئيسي ميت رومني. ولكن بما ان هذا الموسم الانتخابي قد تحدى معظم المقاييس التقليدية، بما فيها مفهوم quot;الثلثاء الكبيرquot; وهدفه، أي اعطاء الولايات المشاركة الفرصة لتحديد هوية مرشح كل حزب قبل الولايات الاخرى، لا أحد يعرف بأي يقين، نتيجة الانتخابات، وكيف سيبدو المشهد الانتخابي صبيحة اليوم التالي.
وجاء في استطلاع للرأي أجرته صحيفة quot;الواشنطن بوستquot; وشبكة quot;اي بي سيquot; الاميركية للتلفزيون ان نسبة الناخبين الديموقراطيين المؤيدين لكلينتون تصل الى 47 في المئة، في مقابل 43 في المئة يؤيدون أوباما. اما في الصف الجمهوري، فان الهوة شاسعة إذ يحظى ماكين بتأييد 48 في المئة من الناخبين الجمهوريين في مقابل 24 في المئة يؤيدون منافسه رومني، بينما يؤيد 16 في المئة الحاكم السابق لولاية اركنساس المرشح مايك هاكابي، ويحتل المرشح رون بول المرتبة الرابعة مع سبعة في المئة.
وتنطوي الاستطلاعات الاخرى على نتائج مماثلة، وتزداد الصورة تعقيدا لان أحد المرشحين متقدم في ولايات على حساب المرشح الاخر والعكس.
ومع تركز الانظار على quot;الثلثاء الكبيرquot;، قطع المرشحون مسافات في طائراتهم الخاصة ليزوروا أكبر عدد من الولايات المحورية والمدن الكبيرة للحصول على أكبر عدد ممكن من نحو 1681 مندوبا ديموقراطيا، ونحو 948 مندوبا جمهوريا، وبعد انفاق اكثر من 19 مليون دولار على الدعايات التلفزيونية في الاسواق الاعلانية الكبيرة في هذه الولايات. ومع ان كلينتون لا تزال متقدمة بغالبية بسيطة في كاليفورنيا، الا ان أوباما يقلص الفارق بينهما مع مرور كل يوم. وقد تلقى تأييدا مهما عندما أعلنت صحيفة quot;لوس انجلس تايمسquot;، أهم صحيفة في الولاية وإحدى أهم الصحف في البلاد، تأييدها له، كما تلقى دعم اهم نقابتين للعمال في الولاية ينتمي اليهما عدد كبير من العمال ذوي الاصل الاميركي اللاتيني، وهي اقلية اقام الرئيس بيل كلينتون علاقات جيدة معها.
وبينما واصلت كلينتون تذكير الناخبين بخبرتها وقدراتها القيادية لاقناعهم بانتخابها، والتشديد على ان برنامجها للضمان الصحي quot;شاملquot; على نقيض برنامج منافسها، راح أوباما يركز على وجوب تغيير العقلية السائدة في واشنطن وطي صفحة الماضي وانقساماته وممارساته بما في ذلك حقبة الرئيس كلينتون، الى تعريف الناخبين به، ودحض التشويه الذي لحق به وبسجله، مثل ادعاء بعض خصومه انه مسلم.
وفي السباق الجمهوري، قال ماكين انه quot;يفترضquot; انه سيحصل على ترشيح حزبه، بينما يعمل منافسه رومني على تحصين دفاعاته لما يعتبر خط دفاعه الاخير، لان خسارته الثلثاء ستعني هزيمته النهائية. وهو كان فاز السبت بتأييد المؤتمرات الحزبية غير الملزمة في ولاية ماين.
ويواصل الجمهوريون المعتدلون الالتفاف ولو من دون حماسة حول ماكين ويلتقي معهم دعاة اعتماد خط متشدد حيال quot;التطرف الاسلاميquot;، فيما يجد الجمهوريون الذين يصفون انفسهم بـquot;المحافظين جداًquot; انفسهم يلتفون وبتردد ايضا حول رومني. وهناك معارضة شرسة من بعض اقطاب اليمين المحافظ اجتماعيا لماكين عبرت عنها افتتاحيات صحيفة quot;الوول ستريت جورنالquot; ومجلة quot;هيومان ايفنتسquot; المحافظة التي اتهمته بـquot;خطف الانتخابات التمهيديةquot;.
ويرى المتشددون ان ماكين، الذي صوت على قرارات اعتبرت مخالفة لمصلحة الحزب الجمهوري، ليس محافظا ما فيه الكفاية نظرا الى موقفه المرن من الهجرة غير الشرعية، ورفضه quot;طروحات الرئيس بوش لخفض الضرائب وغيرها من المواقف.
ومن المتوقع ان تعزز نتائج quot;الثلثاء الكبيرquot; الموقع المتقدم لماكين في الصف الجمهوري، اذ ينتظر ان يفوز في عدد من الولايات المحورية منها نيويورك. وسيستفيد من قواعد الحزب الجمهوري التي تعطي المرشح الفائز في معظم الولايات جميع المندوبين لمجرد حصوله على غالبية اصوات الناخبين.
لكن المشكلة اكثر تعقيدا في السباق الديموقراطي لان القواعد المتبعة في معظم الولايات تقسم اعداد المندوبين وفقا للنسبة المئوية التي يحصل عليها المرشح من اصوات الناخبين. وهذا يعني عمليا ان أوباما وكلينتون قد يتقاسمان المندوبين بطريقة تمنع ايا منهما من تحقيق انتصار كاسح او حسم السباق لمصلحته.
وهذا يعني عمليا انه يمكن ان تفوز هيلاري كلينتون في كاليفورنيا وهي اكبر ولاية في البلاد بغالبية بسيطة من اصوات الناخبين، وتحصل على غالبية بسيطة من المندوبين، وان يحصل أوباما على بقية المندوبين. هذه القواعد تؤكد اهمية جمع المندوبين في مختلف مناطق الولايات ومقاطعاتها اكثر من الفوز بالولاية كلاً. وبما ان quot;الثلثاء الكبيرquot; قد لا يحسم السباق الديموقراطي، بدأ اوباما وكلينتون يهتمان بالولايات التي ستصوّت في 12 شباط الجاري مثل فيرجينيا وميريلاند والاهم من ذلك انتخابات الرابع من آذار المقبل في ولايتين محوريتين هما تكساس واوهايو. واذا لم يحسم السباق في ذلك الوقت، فقد يحسم عندما تصوّت آخر الولايات الكبيرة بنسلفانيا في 22 نيسان المقبل. وهذا ما يقصده المتشائمون الذين يقولون ان quot;الثلثاء الكبيرquot; لن يكون كبيراً بمعنى الحسم القاطع.
وفي الاسابيع والايام الاخيرة عمل مؤيدو كل مرشح، وخصوصاً في الصف الديموقراطي، على تعبئة انصارهم من سياسيين ونجوم سينمائيين وتلفزيونيين ورياضيين ليحلوا محلهم ويساعدوهم في تغطية هذا العدد الكبير من الولايات. وساهم السباق الديموقراطي في شق عائلة كينيدي بين اوباما وكلينتون. وبعدما حصل اوباما على التأييد القوي من السناتور ادوارد كينيدي وابنه باتريك، وكارولين كينيدي ابنة الرئيس الراحل جون ف. كينيدي، التي سجلت ايضاً دعاية لمصلحة اوباما قارنته فيها بوالدها، اقنعت كلينتون روبرت كينيدي جونيور، ابن السناتور الراحل روبرت كينيدي بتأييدها وتسجيل دعاية لمصلحتها، مؤكداً انها اقرب الى والده. ويوم اول من امس، خالفت ايثيل كينيدي ارملة روبرت كينيدي ابنها واعلنت هي ايضاً تأييدها لاوباما وقالت في رسالة الى حملة اوباما ان quot;باراك مماثل جداًquot; لزوجها الراحل.
وفي اليوم عينه، اعلنت سوزان ايزنهارو حفيدة الرئيس الراحل دوايت ايزنهاور، وهي كاتبة سياسية معروفة، تأييدها لاوباما في مقال نشرته في quot;الواشنطن بوستquot; نظراً الى قدرته على توحيد الاميركيين وجذب ناخبين جمهوريين الى حملته، كما فعل جدها الجمهوري عندما جذب الى حملته ناخبين ديموقراطيين.
جذور عبارة quot;الثلثاء الكبيرquot; او quot;الثلثاء العظيمquot; او كما بالغ البعض هذه السنة بالقول quot;تسونامي الثلثاءquot;، تعود الى عام 1984 عندما حاول بعض الولايات الجنوبية اجراء الانتخابات التمهيدية للحزب الديموقراطي مطلع آذار في محاولة منها للاضطلاع بدور اساسي في اختيار مرشح معتدل في وقت مبكر في السباق. عامذاك، اجريت سلسلة من الانتخابات التي سميت quot;الثلثاء الكبيرquot; وادت آخرها الى ضمان ترشيح والتر مونديل. وفي الدورة اللاحقة عام 1988، اخفقت هذه الولايات في اختيار مرشح معتدل في وقت مبكر عندما تقاسم quot;الثلثاء الكبيرquot; ثلاثة مرشحين، بينهم مايكل دوكاكيس الذي حصل على ترشيح حزبه لاحقاً وخسر الانتخابات لمصلحة جورج بوش الاب. ومذذاك تغيرت الولايات المتحدة، ومعظمها في الجنوب، التي كانت تصوّت في quot;الثلثاء الكبيرquot;، وان يكن اكثر الانتخابات اجري مطلع آذار. وعام 2000 صوّتت 16 ولاية في 7 آذار في اوسع انتخابات حزبية في تاريخ البلاد حتى هذه السنة. وعام 1992، وبعدما خسر المرشح بيل كلينتون بعض الولايات التمهيدية، نجح في احياء حملته عندما فاز في عدد من ولايات quot;الثلثاء الكبيرquot;. وعام 1996 حذا المرشح الجمهوري روبرت دول حذوره حين فاز في هذا الامتحان. وعام 2000 نجح كل من المرشح جورج بوش ومنافسه آل غور في انتخابات quot;الثلثاء الكبيرquot; وواصلا طريقهما للحصول على ترشيح حزبيهما. هذه السنة لا احد يتوقع مثل هذا الوضوح في السباق الديموقراطي، والطريق للحصول على ترشيح الحزب لا يزال طويلاً ومعقداً ومضنياً، وهذا متوقع في سباق تاريخي انقلبت فيه كل المعايير السابقة.